فثبت : أنه ليس المعلوم للخلق منه ، الا الوجود والسلوب والاضافات. وانما قلنا : ان العلم بهذه الأمور لا يقتضي العلم بالحقيقة المخصوصة. لأنا اذا رجعنا الى أنفسنا لم نجد عقلنا جازما ، بأنه متى كانت الصفات هى هذه. وجب أن تكون الذات هى الحقيقة المخصوصة الفلانية على التعيين ، بل نجد عقلنا جازما بأنه لا بد وأن تكون تلك الحقيقة فى نفسها حقيقة مخصوصة متميزة عن سائر الحقائق [واما (١) أن يعرف العقل تعين تلك الحقيقة. فهذا غير حاصل. وهذا كما أنا لما شاهدنا الأثر المخصوص عن المغناطيس. قلنا : ان له حقيقة مخصوصة مميزة عن سائر الحقائق. فأما أن نعلم تلك الحقيقة بعينها ، فهذا غير حاصل. فكذا هاهنا : لما علمنا اختصاص ذاته بهذه الصفات على أصل الوجوب واللزوم ، علمنا أن له حقيقة متميزة عن سائر الحقائق ، فأما أن نعلم من هذه الصفات تلك الحقيقة المخصوصة بعينها ، فهذا غير حاصل. والعلم به ضرورى. فعلمنا : ان العلم بحقيقته المخصوصة : غير حاصل] (٢).
الحجة الثانية : من البين : أن التصديق فرع التصور ، فما لا نتصور حقيقته لا يمكننا أن نعلم أنها حاصلة أم غير حاصلة. ونحن لا يمكننا أن نتصور حقيقته الا اذا أدركناها من أنفسنا ادراكا ضروريا ، كالعلم بالألم واللذة والفرح والغم والغضب ، وأدركناها باحدى الحواس الخمس ، كالعلم بالألوان. فانه حصل من الابصار ، والعلم بالأصوات فانه حصل بالسماع. وكذا القول فى بقية المحسوسات. وأما الماهية التى ما أدركناها بواحد من هذين الطريقين فاننا نعلم أنها غير متصورة (٣).
__________________
(١) ما بين القوسين : ساقط من ب
(٢) تعذر علينا أن نتصور : ب ـ فعلمنا أنها غير متصورة : ا