الخامس : ان المدة لا تعقل الا بتعاقب الآنات ، وتوالى الأزمنة والساعات. فلو كان البارى تعالى متقدما على العالم بمدة لا نهاية لها ، ولا أول لها ، لزم حصول الأزمنة المتوالية فى الأزل. وذلك محال. لأن توالى بعض الأزمنة بالبعض ، يقتضي كون كل واحد منها مسبوقا بغيره. والأزل عبارة عن نفى المسبوقية بالغير. والجمع بينهما متناقض.
لا يقال : هذه الاشكالات انما تلزم اذا قلنا : ان الله تعالى قبل العالم ، وسابق عليه بمدة موجودة وزمان متحقق. ونحن لا نقول بذلك ، بل نقول : انه تعالى سابق على العالم بمدة مفروضة موهومه ، لا تحقق لها خارج الذهن.
لأنا نقول : هذا الكلام ضعيف جدا. لأن تقدم البارى تعالى على العالم ، اذا كان حاصلا لا بحسب فرضنا واعتبارنا ، بل بحسب الحقيقة والوجود ، سواء وجد الفرض ، أو لم يوجد ، ثم ثبت أن هذا التقدم والسبق ليس الا بمدة غير متناهية ، وجب أن يكون حصول تلك المدة ، لا بحسب الفرض فقط ، بل بحسب الوجود والتحقق.
السؤال الثالث : ان الأزل والأبد متقابلان تقابل السلب والايجاب ، وتقابل المتناقضين والمتعاندين (٢١). وكل أمرين هذا شأنهما ، فلا بد وأن يتميز أحدهما عن الآخر.
فعلى هذا آخر الأزل متصل بأول الأبد ، الا أن القول بهذا أيضا محال. لأن كل نقطة فرضناها آخر الأزل وأول الأبد ، فأول الأبد كان حاصلا قبل ذلك. لأنا لو أفرضنا نقطة أخرى قبل تلك النقطة بمائة سنة ، لم يصر الأبد أزلا ، بسبب زيادة هذا القادر المتناهى
__________________
(٢١) المتعاندين : ا ـ والمتغايرين : ب