المسألة الرابعة
فى
أن الله تعالى قديم أزلى بانه سرمدى
اعلم : أنا لما دللنا فى المسألة الثالثة على وجوب انتهاء جميع الممكنات الى موجود واجب الوجود لذاته ، وكل ما كان واجب الوجود لذاته فان حقيقته لا تقبل العدم أصلا ، وكل ما كان كذلك ، فانه يجب أن يكون قديما أزليا باقيا أبديا. فعلى هذا لا نحتاج بعد ذلك الى اقامة الدلالة على كونه تعالى أبديا. الا أن المتكلمين الذين كانوا قبلنا ، لما لم يذكروا تلك الطريقة فى اثبات واجب الوجود ، لا جرم كانوا معولين فى اثبات كونه تعالى أزليا أبديا على وجوه أخر ، فنحن أردنا أن نتبرك بايراد تلك الوجوه أيضا.
واعلم : أن مشايخ المتكلمين لما أقاموا الدلالة على افتقار العالم الى صانع. قالوا : صانع العالم ، لو كان محدثا ، لافتقر الى محدث آخر. ولزم التسلسل. وهو محال. فوجب القول بأن صانع للعالم قديم.
فان قيل : الاشكال على هذا الاستدلال من وجوه :
الأول : لم لا يجوز أن يقال : خالق هذا العالم المحسوس شيء محدث ، وخالق ذلك المحدث شيء قديم. وعلى هذا التقدير يكون صانع العالم محدثا. ولا يلزم التسلسل أيضا. وهذا هو قول المفوضة وأصحاب الوسائط. ألا ترى أن الفلاسفة يقولون : مدبر ما تحت كرة القمر ، هو العقل. وهذا العقل الفعال معلول عقل آخر ، وذلك العقل