المقدمة الثالثة : زعم الجمهور من الفلاسفة والمعتزلة : أن تأثير المؤثر انما يكون فى وجود الأثر لا فى ماهيته. وهذا القول عندنا باطل. لأن الوجود له ماهية. فلو امتنع أن يكون للقادر تأثير فى الماهية ، لامتنع أن يكون له تأثير فى الوجود.
فان قيل : تأثير القادر فى كون (٢) الماهية موصوفة بالوجود.
قلنا : موصوفية الماهية بالوجود يمتنع أن يكون أمرا ثابتا. ويدل عليه وجوه :
احدها : ان اتصاف الماهية بالوجود ، لو كان أمرا ثابتا مغايرا للماهية والوجود ، لما كان جوهرا مستقلا بنفسه ، قائما بذاته ، بل كان صفة من صفات الماهية وحينئذ يكون اتصاف تلك الماهية بتلك الصفة زائدا على الماهية ، وعلى تلك الصفة. ويلزم منه التسلسل.
وثانيها : وهو أن تلك الموصوفية تكون مساوية فى الوجود لسائر الموجودات ، ومخالفة لها فى الماهية ، فيلزم : أن يكون لاتصاف الماهية بالوجود ماهية ووجود آخر ، فيكون اتصاف ماهيتها بوجودها زائدا عليه (٣) ويعود الكلام الأول فيه. ويلزم التسلسل. وحينئذ لا يكون الموجود الواحد موجودا واحدا ، بل يكون موجودات غير متناهية. وذلك محال.
وثالثها : وهو أن موصوفية الماهية بالوجود ، بتقدير أن يكون أمرا مغايرا للماهية والوجود ، فلا بد أن تكون له ماهية. فاذا امتنع أن يكون للقادر تأثير فى الماهيات ، امتنع أن يكون له تأثير فى هذه الموصوفية. وعلى هذا التقدير لا يكون للمؤثر : أثر ، لا فى الماهية ، ولا فى الوجود ، ولا فى موصوفية الماهية بالوجود. وهذا نفى للتأثير
__________________
(٢) جعل : أ.
(٣) زائدا آخر : أ.