المبدأ ، فكيف يمكن أن لا تكونوا من المفسدين ، القاطعين للأرحام؟ وكيف لا يتوقع منكم ذلك ، لأن التوقعات تتبع العنوان البارز للشخصية الأخلاقية سلبا وإيجابا؟!
وقيل : إن المراد بالتولّي في قوله : (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) الإعراض عن كتاب الله والعمل بما فيه ، ومنه الجهاد في سبيل الله ، أي هل يتوقع من إعراضكم إلا الإفساد في الأرض ، والقطيعة للأرحام ، وذلك بسفك الدماء ونهب الأموال ، وهتك الأعراض ، تكالبا على جيفة الدنيا؟
وربما كان الأظهر هو الوجه الأول ، للتطابق بين معنى الولاية وبين الإفساد في الأرض بحسب المتبادر من الكلمة ؛ والله العالم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) فأبعدهم عن مواقع رضاه بابتعادهم عن الالتزام بها ، (فَأَصَمَّهُمْ) عند ما رفضوا الانفتاح عن الاستماع إليه ، (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) عند ما وضعوا على أعينهم غشاوة من الغفلة ، وغطاء من النفاق. والظاهر أن الصمّ والعمى واردان على سبيل الكناية لانحرافهم عن الأسس التي ينفتحون بها على الإيمان بالله.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ليتعمقوا في مفاهيمه ، وينفتحوا على أحكامه ، ويتعرفوا من خلاله على الخطوط الفاصلة بين الحق والباطل ، وبين الكفر والإيمان ، ليلتزموا الخط القرآني في قضايا العقيدة والحياة؟! وما المانع أن يتدبروه وهم يملكون معرفة اللّغة التي نزل بها ، والقدرة على الفهم؟ (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فلا تنفتح على الحق من خلال القرآن ، ولا تلتقي بالخير في آياته ، كما لو كان على قلوبهم قفل يغلقها عن الوعي والفهم والانفتاح.
والظاهر ـ كما قال في مجمع البيان ـ أن هذه الآية دالة : «على بطلان قول من قال : لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر وسمع» (١). فإن الله يدعو إلى فهم القرآن وتدبّره حتى يكتشف الناس فكره وشريعته ونهجه في
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٩ ، ص : ١٣٥.