حالة تعمَّق في الوعي الشعور بعبودية الله في كل شيء ، وحركة في الواقع العملي تؤكد الالتزام الانقيادي الخاضع له في كل أوامره ونواهيه ، وما يحبه ويرضاه ، بحيث يعيش الإنسان الحياة كلها خاشعا أمام الله في الفكر والشعور والعاطفة ، محصّنا من الانفتاح على أية فئة أو أي شخص يدّعي لنفسه امتيازا ذاتيا في علاقة الناس به ، بعيدا عن الله.
وهكذا ، عند ما تحمل العبادة كل نشاط الإنسان وحركته في كل مواقع الأرض في الداخل والخارج ، يتحول الكون كله إلى عبد لله سبحانه.
* * *
غنى الله عن عباده
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) لأني الإله الذي خلق الرزق كله ، فليس لأحد من الخلق شيء منه إلا من خلال ما يرزقهم منه ، ولا معنى للطعام في معنى الله ، ولا معنى لأن يطعمه أحد من خلقه. وإذا كانوا يعتبرون الأمر الإلهي بالإنفاق على الآخرين يعني عطاء لله ، فعليهم أن يروا حقيقة ذلك ، كأمر يعود إليهم باعتباره تجسيدا لإنسانيتهم مما ترجع فائدته إليهم وإلى الحياة من حولهم.
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) الذي يعطي كل مخلوق رزقه من خزائنه التي لا تحصى ولا تنفد ، ولا يحتاج إلى رزق منهم (ذُو الْقُوَّةِ) الذي يعطي القوّة لكل شخص يتحرك بالقوّة في حياته ، فلا يحتاج إلى أخذ القوّة من أحد غيره ، لأن الأقوياء لا يملكون القوّة الذاتية باستقلال ، بل يملكون منها ما ملّكهم الله إياه ، (الْمَتِينُ) الشديد القوّة التي لا ينفذ إليها الضعف من أيّ مكان.
* * *