العدوّ (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) يواجهون الموقف وكأنهم في شبه غشية ، وهي الحالة التي تعرض للإنسان عند ما يموت ، فيشخص ببصره دون أن تطرف عينه أو يهتزّ جفناه أو يتحرك جسمه ، وذلك بسبب الخوف الضاغط على قلوبهم ، حتى كأنهم يموتون قبل أن يموتوا ، (فَأَوْلى لَهُمْ) أي من الحري والطبيعي أن يكونوا في نظرتهم الخائفة إليك كما لو كانوا في حالة الاحتضار التي تسبق الموت ، وعن الأصمعي أن كلمة «أولى لك» كلمة تهديد معناه «أولى لك وليّك وقارنك ما تكره» (١).
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) فطبيعة الالتزام الذي التزموه أمامنا ـ أي أمام الله ـ بإعلانهم كلمة الإيمان ، هو طاعة تحدّد الموقف الحاسم ، وقول معروف يؤكد الالتزام ، لأن الإيمان عهد بين الله وبين عباده أن يطيعوه ولا يعصوه ، ويلتزموا كلمته دون أن ينحرفوا عنها ، (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) واشتد وتحوّل إلى حالة جدّية لا تحتمل الجدل ولا الهزل ، فلا بد من أن يصدقوا الله عهده ، لأن ذلك مفروض من المؤمنين الذين يحترمون كلمتهم. ولكنهم لم يفعلوا ، مما جعلهم في موقع بعيد عن الحق والحكمة ، (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) لأنه يقرّبهم إليه ، ويحقق لهم النتائج الكبيرة على مستوى المصير.
ولكنهم لم يصدقوا ولم يلتزموا ، بل ضعفوا وسقطوا في امتحان الإيمان ، مما يوحي بأنهم لن يكونوا في مستوى المسؤولية الإيمانية المنفتحة على الخير المتحرك بالصدق في حياة الناس.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) وتحمّلتم الموقع المميز في حياة الأمة الذي يمكّنكم من السيطرة على الناس (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) في ما تأخذون به من الخطوط المنحرفة ، من الخيانة للعهد ، والابتعاد عن الصدق ، والانفتاح على الشر ، (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) لأن العلاقة بالأرحام ، كما الإصلاح في الأرض ، هي مسألة صدق في الكلمة والعلاقة والموقف ، فإذا لم تعيشوا ذلك من ناحية
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٩ ، ص : ١٣٣.