(فَيُحْفِكُمْ) ؛ الإحفاء : الإلحاح في السؤال.
* * *
(لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فذلك هو معنى الإيمان الذي يحرّك المسؤولية في نفس المؤمن ، في ما يوحي إليه ، بأن من المفروض عليه أن يعبّر عن إيمانه بالله بطاعته في ما أمره به أو نهاه عنه ، لأن ذلك هو مظهر العبودية الحقّة الذي يجسده الشعور بحضور الله الدائم في كل حياته ، والخضوع له في كل شيء ، أمّا طاعة الرسول ، فهي المعنى العميق لطاعة الله ، لأن الرسول لا يأمر من حالة ذاتية ، بل من موقعه الرسالي.
(وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالكفر والنفاق والصدّ عن سبيل الله ، والاتجاه إلى طاعة غيره مما يبتعد بكم عنه ، ويجعل أعمالكم هباء ، لأن العمل الذي لا ينطلق من روحيّة الإيمان بالله ، ومن الالتزام بنهجه ، ومن الإخلاص له ، لا يرتبط بالله ، مما يجعله غير ذي معنّى في مضمون الطاعة ، الأمر الذي يؤدي إلى بطلانه. فكأن الآية توحي بأن عمل المؤمن كي يكون صحيحا ، لا بد من أن يأتي طاعة للرسول بالانفتاح على الشرع والقرآن ، لأن ذلك هو مقياس صحة الأعمال. وقد جاء في بعض الأحاديث المأثورة ، أن المقصود بها هو عدم الإتيان ببعض الأعمال التي تسقط الأعمال السابقة وتبطلها باعتبار تأثيرها السلبي عليها ، وقد روي عن أبي العالية قال : «كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، حتى نزلت (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، فكانوا يخافون الكبائر على أعمالهم ، وعن حذيفة : فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم» (١).
__________________
(١) الزمخشري ، أبو القاسم ، محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ج : ٣ ، ص : ٥٣٨ ـ ٥٣٩