(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) لأن دراسة تاريخه وسمات شخصيته المبنية على العقل والاتزان ، تدل على أنه كان يزن كل كلمة يريد أن يتكلم بها لتكون كلمة عقل وحق ، مما جعله موضع احترام كل أفراد مجتمعة قبل النبوّة ، لأنه كان الصادق في قوله ، الأمين على مجتمعة. كما أن دراسة مفاهيم رسالته التي تتحرك في مواقع الغيب من جهة ، وفي مواقع الحسّ من جهة أخرى ، توحي بالحقيقة التي لا يقترب إليها الباطل من قريب أو من بعيد (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أوحى به الله إليه في آياته ليبلّغها لعباده لتدلّهم على الصراط المستقيم.
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) فقد أعطاه علم القرآن ليعيه في صدره وليبلّغه بلسانه .. وربما كان المراد به جبرائيل عليهالسلام الذي وصفه الله بالقوة في قوله تعالى : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) [التكوير : ٢٠].
وربما كان المراد به الله سبحانه الذي علّم نبيه ذلك بواسطة ملائكته ، أو بالطريقة المباشرة في قصة المعراج ، كما وردت بذلك بعض الروايات.
(ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) أي صاحب عقل ورأي ، أو شدّة ـ كما جاء في تفسير كلمة المرّة ـ ويقال : إن المقصود به جبرائيل عليهالسلام الذي يملك هذه الصفة التي تتيح له أن يبلِّغ الرسالة بقوّة وكفاءة ، فاستقام في خط المهمّة التي أوكلت إليه ، أو سيطر عليها بقوّة ووعي ، وقيل : إن المراد بذلك الصورة الملائكية الحقيقة لجبرائيل الذي كان ينزل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بصورة بشر ، فأحب أن يراه بصورته التي جبل عليها ، (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) من السماء حيث ملأ الأفق بهيئته ، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) بحيث قرب من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) أي مقدار قوسين أو أقل من ذلك ، وهو تعبير كنائي عن منتهى القرب.
* * *
الرسول يعاين الوحي حسيا
(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ) أي عبد الله ، وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، (ما أَوْحى) من القرآن