أعمالهم ، (مُدْهامَّتانِ) أي مخضرّتان خضرة تميل إلى السواد ، لما فيهما من أعشاب ، (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) تنضحان بالماء ، كمثل النبع الذي يتفجر من الأرض من دون جريان ، كما أن (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وذلك من باب عطف الخاص على العام ، فيكون العطف طبيعيا (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) من النساء اللاتي أعدّهنّ الله للمتّقين من عباده ، (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) قال صاحب مجمع البيان : أي محبوسات في الحجال(١). وهي قباب تضرب على النساء الملازمات للبيوت ، وقال غيره : إن المراد بالخيام معناها الطبيعي ، لإضفاء جوِّ من الجمال والروعة البدوية الذي قد لا يوجد في البيوت ، (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) تماما كما هنّ الحور في الجنتين السابقتين ، عذارى ، أبكار.
(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) وهي الأبسطة الخضراء (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) أي من صنع عبقر الذي كان العرب ينسبون إليه كل جميل وعجيب ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في ما يوحي به كل هذا الجو المليء بالروعة والنعمة والعظمة واللطف الإلهي العميم؟!
وتنتهي السورة بذكر صفات الله لتعمّق في نفس الإنسان والجانّ الإحساس بالنعمة والعظمة الإلهية : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) الذي يوحي بالتسبيح في مواقع الجلال الذي ينطلق من وحي العظمة ، وفي مواقع الإكرام الذي ينطلق من وحي العطاء والرحمة.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٩ ، ص : ٢٦٨.