فيه كل إنسان أمام مسئوليته الفردية وجهده الذاتي ، فلكل واحد عمله الذي يجزى به ، وليس لأحد أيّ قدرة على التدخل في تخليص غيره حتى في أشد العلاقات حميميّة وقوّة ، مثل علاقة الوالد بولده وعلاقة الولد بوالده ، فلا يملك أحدهما أن يتدخل لمصلحة الآخر ، ولا يغني عمل أحدهما عن عمل الآخر ، مما يفرض على الناس في الدنيا أن يدرسوا خلاصهم من مواقع أعمالهم ، لا من مواقع علاقاتهم ، لأنهم سيعرضون جميعا على الله ، وسيقفون بين يديه للحساب الدقيق في كل صغيرة وكبيرة.
(إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) فلا يخلف الله وعده ، فهو الصدق كله ، والثبات كله ، فالتزموا الخط الذي يرفع درجاتكم فيه ويرفع مواقعكم عنده (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) في ما تشتمل عليه من لذات وشهوات ومال وجاه وسلطان لتوحي إليكم بالخلود فيها ، والركون إليها ، والاستسلام لأوضاع الاسترخاء فيها (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الشيطان الذي يخدعكم عن أنفسكم ويجركم إلى مهاوي الهلاك ، ويوحي إليكم بأنها مواقع النجاة ، فيزين لكم القبيح حسنا والحسن قبيحا ، ويمدّ لكم الآمال حتى لا تفكروا بموت ، ولا تنتظروا آخرة.
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) التي تموتون فيها ، وتبعثون فيها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) لأنه هو الذي أودع في الكون قوانين نزول المطر ، (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) لأنه هو الذي خلقه. وإذا كان بعض الناس قادرا على إنزال الغيث في بعض الأحوال ، فإنه لم ينطلق من إرادة ذاتية وقدرة شخصية ، بل كان ذلك ناشئا من الأخذ بالأسباب التي جعلها الله سببا لنزول الغيث ، في ما يمكن أن يكون بأيدي الناس منها ، وإذا كان البعض يستطيع أن يعلم ما في الأرحام ، فإنه ناشئ من الأخذ بأسباب العلم بذلك من خلال ما علّمه الله للإنسان من معرفة الأشياء ، مما لا يتنافى مع استقلال الله بعلمه من خلال ذاته (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) لأنها لا تدري بالظروف والأسباب التي يحملها الغد