يعترضوا أو يناقشوا ، بل يجب أن يسلّموا لهم الأمر كله.
(قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لأن خط العبادة في العقيدة التي تعتنقونها ، لا ينطلق من وحي منزل ، بل هي الأهواء العابثة ، التي تجعل من الوهم حقيقة ، ومن العبث قاعدة ، ومن الخرافة أساسا للحياة. إنه التخلّف العقلي والروحي والعملي ، يعيشه هؤلاء الآباء فيقودهم إلى الضلال في ما يلتزمون به ، وما يتحركون فيه من شؤون العبادة والحياة ، ويحولونه في عقولكم وحياتكم إلى إرث مقدس لا يحمل في ذاته شيئا من عمق القداسة ، ولكنه التقليد الأعمى الذي يفرضه الآباء الجاهلون على الأبناء المتخلفين. إنه الضلال الواضح الذي لا شبهة فيه ولا ارتياب.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) إنهم يتساءلون في تعجب واستنكار لما صدر منه من كلام ضدّهم وضدّ أصنامهم ، كأنهم لا يصدّقون جدّيته ، لأن من البعيد أن يفكر هذا الفتى بهذه الطريقة المتشنجة. ولذا فإنهم يصوغون اعتراضهم بصيغة الاستفهام ليقودوه إلى التراجع من دون إحراج ليعتذر إليهم بأنه قال ما قاله بأسلوب العبث واللعب ، (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) إنه يريد تأكيد الرفض للأصنام من موقع الجدية الفكرية التي تصل إلى مستوى الحقيقة التي يشهد بها ، كما لو كان شاهدا عليها من صميم الحس والوجدان ، فهو لا يرى إلها له ولقومه وللناس وللكون كله في السماوات والأرض إلا الله الواحد الذي خلقهن من العدم من قاعدة القدرة المطلقة التي لا تقف عند حد ، فكيف يمكن أن يدّعي أحد الوهيّة غيره ، لا سيما إذا كان ذلك في صورة هذه الأحجار الصماء التي حولوها ـ بالفن البشري ـ إلى تماثيل منحوتة من دون أيّ معنى ، ولذلك فإنه يواجههم بالحكم بالضلال في موقفهم بطريقة حاسمة لا تقبل الجدل.
* * *