بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] ، ولم يستطع أحد منهم ولا من غيرهم أن يأتي بسورة من مثله ، بالرغم من التحدي الكبير الذي أثاره أمامهم ، (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) فيجدون من خلال ذلك الدليل على صدق القرآن في أحكامه وشرائعه وبيناته ..
وربما كان المقصود ـ كما يذكر البعض ـ التهديد بما يمكن أن يأتيهم من العذاب على ما يقترحونه من الخوارق والمعجزات للتعجيز ، فإذا جاءتهم امتنعوا عن الإيمان به كما كان يحدث للأمم السالفة الذين كان العذاب يرافق الكفر بعد قيام المعجزة فيكون ذلك سببا لهلاكهم ، فتكون الآية تحذيرا لهم من ذلك ، لينتهوا عنه.
(وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل إنزال القرآن وإرسال الرسول ، لأثاروا علينا المطالبة بالحجة القائمة على ما نريد منهم من مسئوليات ، لنرى كيف يلتزمون بها ، ويطيعوننا من خلالها ، و (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) في ما تنزله علينا من العذاب ، (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) في ما ننتظره من وعد الله لنا بالرحمة والمغفرة ، وما أعدّه لكم من عقاب ، وفي ما تنتظرونه ، أنتم ، من المشاكل التي تحيط بنا وتحاصرنا لتبطل دعوتنا ، وتهزم موقفنا. وتبقى ساحة الصراع بيننا وبينكم حالة حركة دائبة وجهاد مستمر ، لتكون النتيجة الحاسمة لمن يملك الحق ، ويلتزم بالصراط المستقيم ، (فَتَرَبَّصُوا) لأنكم لا تزالون في حالة شك ، أما نحن فإننا نملك الرؤية الواضحة من خلال الإيمان المنفتح الواعي ، ولذلك فإننا لسنا في موقع الانتظار القلق ، بل في مواقع الانتظار الحاسم الجازم الذي يعرف ما يريد ، وستظهر النتيجة ، (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) منا أو منكم ، (وَمَنِ اهْتَدى) في ما يلتزم به من خطوط الحياة ومناهجها المتحركة من أجل سعادة الإنسان في قضايا المصير في الدنيا والآخرة.
* * *