الرسالة ، لا سيما وأن الشخص المعنى بالمسألة الرسالية هو فرعون الطاغية الذي كان يستعبد المجتمع كله من حوله ، وكان المجتمع يخضع له في ذلك ، ولا يفكر أن يثور في وجهه. وجاءت رسالته تستهدف تغيير المفاهيم العقيدية والقانونية والأخلاقية بالطريقة التي تختلف فيها اختلافا كليا مع مفاهيم العامة والخاصة من الناس ، فكيف يمكن أن يقوم بالعبء وحده؟ (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) وافتحه على كل القضايا التي تواجهه في الدعوة وفي ساحة الصراع ، واجعلني أواجه الموقف برحابة الصدر ، وسعة الخلق ، ومرونة الفهم ، وانفتاح الوعي ... ، فلا أضيق بأيّة مشكلة وأيّ موقف ، ولا أتعقد من أيّ شخص في ما يثيره من إرباك وتعقيد ، (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) في كل مواطن العسر لأستطيع أن أقوم بهذه الرسالة من دون صعوبة تذكر.
(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي) فقد كان يعيش حبسا في لسانه بحيث يمنعه من الطلاقة التي تفصح الكلمة بحيث يفهم الناس ما يريد أن يقوله ، لأن الرسالة تتصل بطريقته في التعبير عنها.
وتلك هي مشكلته التي أراد العون من الله على تجاوزها وتسهيل صعوباتها ، في ما يريد أن يمارسه من جهد ذاتي ، (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) لأن المهمة تحتاج إلى جهد آخر يشترك مع جهده في الدعوة والحركة والانطلاق ، ليعاون أحدهما الآخر في ما يمكن أن يواجههما من مشاكل وقضايا وصعوبات ، خصوصا في جانب الدعوة التي تتطلب طبيعة خاصة للكلمة والمنهج والأسلوب ، حيث يتمتع هارون بمميزات جيدة لأن لسانه أفصح من لسان موسى ، كما جاء في سورة أخرى ، وتلك هي الروح المتواضعة الجادة التي تدرس حجم المسؤولية ، وحجم إمكاناتها ، فإذا رأت بعضا من الخلل الذي قد يصيب المسؤولية أمام ضعف الإمكانات ، فإنها لا تتعقد ولا تهرب من الواقع ، لتلجأ إلى الذات في عملية استغراق في الإيحاء بالقدرة الشاملة غير الموجودة لينعكس ذلك سلبا على حركة الموقف العملي ،