والظاهر : أن جملة قوله : «وأعلم» معطوفة على قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ) ، فتكون في محلّ نصب بالقول.
وقال «أبو البقاء» (١) : إنه مستأنف ، وليس محكيا بالقول ، ثم جوّز فيه ذلك.
و «تبدون» وزنه : «تفعون» ؛ لأن أصله : تبدوون مثل : تخرجون ، فأعلّ بحذف «الواو» بعد سكونها ، و «الإبداء» : الإظهار ، و «الكتم» الإخفاء ؛ يقال : بدا يبدو بداء ؛ قال : [الطويل]
٣٧ ـ ........... |
|
بدا لك في تلك القلوص بداء (٢) |
وقوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) عطف على «ما» الأولى بحسب ما تكون عليه من الإعراب.
روي عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير : أن قوله : «ما تبدون» أراد به قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وبقوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أراد به ما أسر «إبليس» في نفسه من الكبر وألّا يسجد.
قال «ابن عطية» (٣) : وجاء «تكتمون» للجماعة ، والكاتم واحد في هذا القول على تجوّز العرب واتّساعها ، كما يقال لقوم قد جنى منهم واحد : أنتم فعلتم كذا ، أي : منكم فاعله ، وهذا مع قصد تعنيف ، ومنه قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) [الحجرات : ٤] وإنما ناداه منهم عيينة.
وقيل : «الأقرع» (٤).
وقيل : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من الأمور الغائبة ، والأسرار الخفية التي يظن في
__________________
(١) ينظر الاملاء : ١ / ٣٠.
(٢) عجز بيت لمحمد بن بشير العدوالي الخارجي وصدره :
لعلك والموعود حق لقاؤه
ينظر الخصائص : (٣٦٨) ، ابن الشجري : (٢ / ١٧) ، الهمع : (١ / ٢٤٧) ، الدرر : (١ / ٢٠٤) ، الأغاني : (١٤ / ١٥) ، التصريح : (١ / ٢٦٨) ، اللسان : (بدا) ، التاج : (بدا) ، الدر المصون : (١ / ١٨٥).
(٣) ينظر المحرر الوجيز : ١ / ١٢٣.
(٤) الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي : صحابي من سادات العرب في الجاهلية قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وفد من بني دارم (من تميم) فأسلموا ، وشهد حنينا وفتح مكة والطائف وسكن المدينة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة ، واستشهد بالجوزجان وفي المؤرخين من يرى أن اسمه «فراس» وأن الأقرع لقب له لقرع كان برأسه وكان حكما في الجاهلية.
ينظر الأعلام : ٢ / ٥ (٣٦) ، الذيل على الكاشف : رقم ٨٦ ، تعجيل المنفعة : ٦١ ، تاريخ البخاري الصغير : ٥٩ ، أسد الغابة : ١ / ١٣٥ ، الإصابة : ١ / ١٠١.