بَصِيرٌ) (٤٢ : ٢٧) ولو قدر عليه رزقه لظنه بلاء وابتلاء ومهانة ، مهما كان في طاعته ، وهو أخف البلاء ، والحياة الدنيا كلها بلاء ، ما يلائم طبع الإنسان وما ينافره ، وهذا باب من التضليل يضل فيه الكثير ممن لا يعرفون الله ، ولأن الدنيا دار عمل ولا حساب ، والآخرة دار حساب ولا عمل ، فكم من مطيع لله يضيّق عليه لكي لا يطغى ، وليبل ببلاء أخف وأدنى ، فنراه يترك الطاعة إلى المعصية إذ يحسبه مهانا في طاعة الله! وكم من عاص موسّع عليه بلي به كبلاء شديد ، يظنه مكرما في معصية الله ، فيزداد عصيانا وطغيانا ، رغم أنه إمهال وإملال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٣ : ١٧٨) (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٧ : ١٨٣).
لذلك ترى المؤمنين ـ على الأكثر ـ يبلون ببلاء أخف : ضيق المعيشة ، والكفار بما هو أصعب : سعة الرزق ، ونرى من يسقط في بلاء السعة ، أكثر بكثير من الساقطين ببلاء الضيق : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٢١ : ٣٥) وإن بلاء الشر خير من بلاء الخير ـ ما تحسبه خيرا ـ : من السعة ، وما تظنه شرا : من الضيق!
هنا نلمس لطافة التعبير في ابتلاء الإكرام بالنعمة ، وابتلاء غير الإكرام بالضيق ، أنه ليس في قياس الواقع ، إنما كما يظنه الإنسان ، ولذلك يفنّد كلا التصورين أخيرا :
* * *