ـ كلها ـ في سبيل الله : يعبد الله لله ، ويسوس عباد الله سياسة صالحة لله ، ويزرع لله ، ويتجر ويعمل ويصنع لله ، ويتعلم لله ، ويحارب في سبيل الله ، فيجعل كافة ميادين الحياة محاريب يتمثل فيها هو مطيعا لأوامر الله ، وكما الكون أجمع محراب واسع تسجد فيه الكائنات لربها طوعا أو كرها ثم إليه يحشرون.
فطوبى للكادحين إلى ربهم إذ لا يدركون عناءه بما ينتظرهم من رحمة خالدة ، ورضوان من الله أكبر .. وبؤسا وتعسا للكادحين إلى الشهوات الفانية ، فإنهم سوف يدركهم كدحهم السيّئ الماكر جزاء وفاقا ، ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله.
طالما حياة التكليف هي حياة الكدح والأتعاب ، ولكنها تنتهي بلقاء الرب ـ مشرّفا ـ لو كانت متجهة إلى الرب : (كادِحٌ إِلى رَبِّكَ) ثم في لقاء الله ولقاء الأعمال يوم اللقاء ، إنّ فيه راحة خالصة : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) حياة راحة خالصة لا تخالط تعبا ولا شغبا.
(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) :
تقسيم ثنائي لمصير الكادحين من الأخيار والأشرار ، وعرض للقاء الأعمال يوم العرض الأكبر ، وقد عبّر عنه بالكتاب : الحالة الثابتة من الأعمال والنيات والأقوال ، بما استنسخها الله تعالى بأقلام الأمواج على صحائف الأجواء والأعضاء والأكناف : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وإذا استطاع هذا الإنسان الضعيف أن يستخدم الأمواج وتحويل الصور والأصوات على الشاشات التلفزيونية وأضرابها ، فلله تعالى كتاب لأعمال الإنسان فوق هذا الكتاب : «مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا» (١٨ : ٤٩).
وقد يعنى من الكتاب هنا كتاب الشريعة ، يؤتاه يمين المؤمنين إذ