(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) : وهذه من مكشوفات الاستعارة ، يعني بها العذاب المؤلم ، والنكال المرمض الممرض المرضض ، حيث السوط سبب للعقوبات الواقعة ، فإذا صبّ عليهم كان أمض وأوقع.
أو أن السوط هنا مصدر يعني أوقع عذاب يخالط الجسوم بالدماء واللحوم ، فيسوطها سوطا إذا حرّك ما فيها وخلطه.
فحين يذكر السوط نذكر لذع العذاب ، وبالصب فيضه وغمره ، اجتماع الألم اللاذع ، والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، فهذا سوط العذاب ، فكيف بنفس العذاب الذي يرقبهم يوم يقوم الأشهاد :
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً. لِلطَّاغِينَ مَآباً) وربك يرصدهم عليها ، وقد ينالهم يوم الدنيا سوط منها ، يرقبهم يرصدهم ولا يخفى عليه منهم شيء في الأرض ولا في السماء ، ف (لا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) «ولئن أمهل الله الظالم فلن يفوت أخذه وهو له بالمرصاد ، على مجاز طريقه ، وبموضع الشيحا من ساغ ريقه» (علي عليه السّلام).
(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) :
تنديد بما يخيّل إلى جهال الناس أن السعة في الحياة إنعام وإكرام ، وضيقها مهانة وابتلاء ، فلو بسط الله له في الرزق ظنه إكراما باستحقاق ، مهما كان بعيدا عن طاعته ، رغم أنه بلاء ـ ومن أشد البلاء ـ وليس جزاء : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ