فهذا الخطاب المنبّه العتاب ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه : «إنسانيته» المتجلي فيها كرمه وتكريمه : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .. وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (١٧ : ٧٠).
فما هذا الغرور بربك الذي أغدق عليك من كرمه هذا الإغداق ، وأغلق عليك أبواب الجهل والغرور هكذا إغلاق ، بما بصرك في فطرتك وعقلك وأنبيائه وبيناته!
وهناك مغريات ومغرّات عدة منبثقة كلها عن الجهل والجهالة بالله ، وأما العلماء بالله فلا يغترون بما يغترّ به الجاهلون : من غرور الأماني : (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٥٧ : ١٤) ومن الحياة الدنيا : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) (٤٥ : ٣٥) .. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (٣١ : ٣٣) .. ومن الافتراء بالله : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣ : ٢٤) .. افتراء الظلم : أنه كريم بالمتخلفين المتورطين في اللامبالاة ، وافتراء الكذب : أنه لا يدخلهم النار بل ويجمعهم مع الأبرار .. ومن تقلّب الذين كفروا في البلاد : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (٣ : ١٩٧).
فهذه المغيرات المغريات المغرّات من الأماني والغرور ومن الحياة الدنيا وقول الزور على الله ومن تقلّب الذين كفروا في البلاد .. هذه وأمثالها لا تغرّ وتغري إلّا الجاهلين بالله ، وعلى حدّ قول الرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم : «غره جهله».
فالغرّة هي الجهالة والغفلة ، يقال : غررت فلانا ، أي أصبت غرّته ، ولا يؤتى الإنسان ويصاب إلا من غرّته وغفوته وغفلته عن الله ، وعلى حد قول الإمام الصادق عليه السّلام : «من كان ذاكرا لله على الحقيقة فهو مطيع ومن كان