موقفه في كرمه؟ فكلاهما غرور بالرب الكريم! أجل وكما سبق عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم «غره جهله» : بكرم الرب أو بمقام الكرم.
إن واقع الكرم الربوبي ، الذي نلمسه ونعيشه دائبا ، إنه يستتبع العلم به ، وهو يقتضي العلم بموقف الكرم هنا وفي الآخرة ، ففي الأولى وسعت رحمته كلّ شيء ، وفي الآخرة يصيب بعذابه الناكبين عن صراطه المستقيم ، وهو أيضا من عدله ومن رحمته لمن يستحقها : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٥٦).
فكرمه ورحمته الواسعة يوم الدنيا يدفع العقلاء النابهين إلى طاعته وشكره ، ورحمته المكتوبة يوم الآخرة للمتقين تمنعهم عن التورط في عصيانه وحرماته ، وكرمه للعاصين يحرضهم على التوبة والإنابة إليه ، وألّا يعتبروا عصيانه غنما لموقف كرمه ، ولا سيما في المعاصي الكبيرة التي لا تكفّر : (.. إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) ..
فإنما الغرور بالرب ، الدافع إلى التساهل في طاعة الله ، وإلى التورط في حرمات الله ، هذا الغرور ليس إلّا بدافع الجهل بكرمه والجهل بمعنى كرمه وموقفه تعالى في كرمه ورحمته : (.. وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٢٧ : ٤٠) إذا فليس يقتضي كرمه العفو عمن كفر ، فإنما يراد هنا أنه لا تضره معصية من عصاه كما لا تنفعه طاعة من أطاعه ، إنه غني كريم.
إن أوّل الكرم الرباني للإنسان هو إنسانيته (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم ، في بنيته وروحه ومهيئاته للبلوغ إلى ذروة الكمال.