الْأَعْمى) .. جاءه ابن أم مكتوم مؤذن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك المؤمن الهرم الفقير الضرير ، جاءه بأمر النبي ليحلّ محله ويجلس مجلسه إذ قدّمه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم على عثمان في مجلسه :
فقد جاء النبيّ ليستقرأه آيا من الذكر الحكيم ، وعنده صناديد قريش وإلى جانبه عثمان ، فأكرمه النبي وأجلسه بجانبه وأخّر عثمان ، فضاق صدره منه وعبس في وجهه وتولى عنه وتقذر وجمع نفسه عنه ، سخطا على عماه وفقره ، وردا على حكم الله ورسوله ، فنزلت الآيات بالتنديد الشديد على عثمان ، وردعته أخيرا عن فعلته المشئومة ارجاعا إلى تذكرة : في صحف مكرمة ، بأيدي سفرة ، كرام بررة ، والرسول الأقدس من أكرم السفرة والبررة ، وقد حدث ما حدث بمحضره الشريف .. لذلك نرى الآيات تقتل عثمان بعد ما تندد به : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ..).
هكذا يبدأ الرسول دعوته ورسالته ، وبكلمة جامعة لا محيص عنها : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فلا موضع ـ هنا ـ للأمجاد العائلية ، والفخفخات المالية ، والطنطنات القومية ، والادعاءات الجوفاء ، ففي حين نرى سورة فذة تلعن أبا لهب عم النبي وهو من أعرق قريش ، نجد سلمان الفارسي يحتل من الكرامة ما يغبطه بها العالمون : «سلمان من أهل البيت» «لا تقولوا سلمان الفارسي بل قولوا سلمان المحمدي».
ولذلك نراه صلّى الله عليه وآله وسلّم يكرم عبد الله ابن أم مكتوم ـ بعد ما هتكه عثمان ـ أكثر مما كان يكرمه قبله : «فلما نزلت الآية دعاه فأكرمه واستخلفه على المدينة مرتين» (١) ، «وكانت عائشة تكرمه بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل» (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣١٥ ، أخرجه ابن سعد وابن المنذر عن الضحاك.
(٢) الدر المنثور ٦ : ٣١٥ ، أخرجه الحاكم وصححه وابن مردوية في شعب الايمان عن مسروق.