وحال القواسر حال هذه الأعراض ، لأن القواسر لا تقوم ماهيته ، ولا تلزم ما يقوم ماهيته. فإن القاسر هو الذي يرد من خارج ، فيفيد حالا لولاه لما كان لذلك الجسم تلك الحال. وليس شيء من هذه واجبا أن يكون من الماهية أو لازما للماهية ، فتوهم الجسم ولا قاسر يقسره ، ليس ممتنعا بالقياس إلى طبيعة الجسم ، وتوهم الجسم غير ذى أين يخصه أو حيز ممتنع بالقياس إلى طبيعة الجسم (١). فالجسم تلزمه فى طبيعته التي له أن يكون (٢) له حيز ، ذلك الذي لو لا القاسر الذي يجوز أن لا يكون ، لكان له. وكذلك الشكل ـ ـ والكيف وغير ذلك ، وكذلك وضع الأجزاء إن كان له أجزاء بالفعل. فكل (٣) جسم ، فله حيز طبيعى ، فإن كان ذا مكان كان حيزه مكانا.
ولقائل أن يقول : إن الأرض جرم (٤) بسيط وتقتضى طبيعته اليبس (٥) الذي فيه ، فلا يخلو إما أن يقتضى له شكلا أو لا يقتضى ، فإن اقتضى له شكلا فيجب أن يقتضى شكلا (٦) مستديرا لبساطته ، فحينئذ إما أن يكون اليبس يساعد مقتضى طبيعته ، فيجب أن تكون الأرض إذا سلب جزء منها الشكل المستدير بأن يشكل شكلا (٧) آخر ، أن يعود بطبيعته فيستدير. وليس الموجود كذلك ، وإن كان اليبس يمنع ذلك ، ويجول بين طبيعة ذلك الجزء ومقتضاه واليبس صادر عن طبيعته ، فيجب أن تكون طبيعة واحدة تقتضى معنيين متفاوتين (٨) متقابلين ، وليس هذا بجائز.
فنقول إن اليبس إنما يفيض (٩) عنه ليحفظ ما تقتضيه طبيعته من الشكل الطبيعى حفظا قويا جدا ، فإذا حفظ شكله ، لزم من ذلك أن يحفظ فى كل جزء ما توجبه طبيعته إيجابا أوليا من انبساط (١٠) الذاهب إلى شكله. فإذا ثلم شيء من شكله بقسر القاسر ، لم يكن للباقى (١١) منه حس وشعور (١٢) بما حدث ، بل كان عليه أن يستحفظ ما (١٣) أوجبته الطبيعة. وإن (١٤) عادت الطبيعة فأوجبت انبساطا آخر كانت الطبيعة هى المناقضة لموجبها الأول ، فكان (١٥) حينئذ مقتضى الطبيعة بهذه (١٦) الحال ، ضد مقتضاها الأول ، ومخالفا لمقتضى اليبس الذي تقتضيه الطبيعة. ولا يبعد أن تكون الطبيعة تقتضى فى حال عارض ، أمرا مناقضا ومقابلا لما تقتضيه فى حال كونه سالما. فليس إذن المقتضيان (١٧) متضادين متمانعين (١٨) صادرين عن قوة واحدة بحال واحدة حتى يكون محالا ، بل أحدهما يصدر عن القوة وهى على حالها (١٩)
__________________
(١) تلك .... الجسم : ساقطة من م.
(٢) يكون : ساقطة من م. (٣) فكل : وكل د.
(٤) جرم : جسم م (٥) اليبس : ليس ط.
(٦) شكلا (الثالثة) : ساقطة من م.
(٧) شكلا : تشكلا م ؛ ساقطة من م. (٨) متفاوتين : ساقطة من م.
(٩) يفيض : يقتضى سا. (١٠) انبساط : انبساطه م.
(١١) للباقى : الثاني ط ؛ الباقى م (١٢) وشعور : شعور ب ، د ، م
(١٣) ما : لما سا. (١٤) وإن : فإن سا (١٥) فكان : وكان ط.
(١٦) بهذه : فهذه ب ؛ بهذا ط. (١٧) المقتضيان : مقتضيان م.
(١٨) متضادين متمانعين : بمتضادين متمانعين ط ، سا ؛ متضادان متمانعان م
(١٩) حالها : حالتها ط ، م.