والاستحباب هو الإنشاء بداعي البعث غير الأكيد ، والبعث وإن كان اعتباريا ، والاعتبار بنفسه لا يقبل الشدة والضعف ، إلّا أن الشدة والضعف في نفس الأمر المعتبر ـ وهو البعث ـ لأن اعتبار أمر حقيقي بمرتبته الشديدة أو الضعيفة أمر ممكن ، بلحاظ اختلاف الأثر المترتب عليه في مقام العمل.
والمصلحة اللزومية كما تناسب شدة الإرادة تناسب شدة البعث وتأكده ، وغير اللزومية كما تناسب ضعف الإرادة تلازم ضعف البعث وعدم تأكّده. وأما الترخيص في الترك وعدمه فهما لازمان لمنشا الاستحباب والوجوب ، لا مقومان له ، لما سبق منا التنبيه عليه تبعا له.
لكن جعل الشدة والضعف في البعث الاعتباري معيارا في الفرق بين الحكمين لا يخلو عن إشكال ، لأن اعتبار البعث إنما هو لأجل ترتب الانبعاث عليه عقلا ، كما يترتب خارجا على البعث الحقيقي ، وكما يترتب المراد على الإرادة في التكوينيات ، ومن الظاهر ترتب الانبعاث الخارجي على البعث الحقيقي والمراد على الإرادة مطلقا وإن كانا ضعيفين ، وذلك لا يناسب دخل شدة البعث وضعفه في لزوم الانبعاث عقلا وعدمه.
وأما على الرابع فقد ذكر بعض مشايخنا : أن الفرق بين الحكمين في مقام الثبوت من حيثية المبدأ ، وذلك بشدة الملاك وضعفه ـ بناء على تبعية الأحكام للملاكات ـ وفي مقام الإثبات من حيثية مقارنة الحكم للترخيص وعدمه ، إذ حيث كان الطلب عبارة عن إبراز اعتبار المادة في ذمة المكلف ، فاللازم عقلا بمقتضى قانون المولوية والعبودية لزوم الامتثال ، وهو مرجع الوجوب. إلّا أن يرد ترخيص من المولى نفسه ، فيجوز ترك الامتثال عقلا ، وهو مرجع الاستحباب.