وكان حق استحوذ أن يقلب عينه ألفا لأن أصلها واو متحركة إثر ساكن صحيح وهو غير اسم تعجب ولا مضاعف اللام ولا معتل اللام فحقها أن تنقل حركتها إلى الساكن الصحيح قبلها فرارا من ثقل الحركة على حرف العلة مع إمكان الاحتفاظ بتلك الحركة بنقلها إلى الحرف قبلها الخالي من الحركة فيبقى حرف العلة ساكنا سكونا ميتا إثر حركة فيقلب مدّة مجانسة للحركة التي قبلها مثل يقوم ويبين وأقام ، فحق استحوذ أن يقال فيه : استحاذ ولكن الفصيح فيه تصحيحه على خلاف غالب بابه وهو تصحيح سماعي ، وله نظائر قليلة منها : استنوق الجمل ، وأعول ، إذ رفع صوته. وأغيمت السماء واستغيل الصبيّ ، إذا شرب الغيل وهو لبن الحامل. وقال أبو زيد : التصحيح هو لغة لبعض العرب مطردة في هذا الباب كله. وحكى المفسرون أن عمر بن الخطاب قرأ استحاذ عليهم الشيطان. وقال الجوهري : تصحيح هذا الباب كله مطرد. وقال في «التسهيل» : يطرد تصحيح هذا الباب في كل فعل أهمل ثلاثيه مثل : استنوق الجمل واستتيست الشاة إذا صارت كالتيس.
وتقدم الكلام على الاستحواذ عند قوله تعالى : (قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) في سورة النساء [١٤١] ، فضم هذا إلى ذاك.
والنسيان مراد منه لازمه وهو الإضاعة وترك المنسي ، لقوله تعالى : (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٦].
والذكر يطلق على نطق اللسان باسم أو كلام ويطلق على التذكر بالعقل. وقد يخص هذا الثاني بضم الذال وهو هنا مستعمل في صريحه وكنايته ، أي مستعمل في لازمه وهو العبادة والطاعة لأن المعنى أنه أنساهم توحيد الله بكلمة الشهادة والتوجه إليه بالعبادة. والذي لا يتذكر شيئا لا يتوجه إلى واجباته.
وجملة (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) نتيجة وفذلكة لقول : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ). فإن الاستحواذ يقتضي أنه صيرهم من أتباعه.
واسم الإشارة لزيادة تمييزهم لئلا يتردد في أنهم حزب الشيطان.
وجملة (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) واقعة موقع التفرع والتسبب على جملة (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : فإن حزب الشيطان هم الخاسرون ، ولذلك عدل عن ذلك إلى حرف الاستفتاح تنبيها على أهمية مضمونها وأنه