والكذب : مخالفة ما يفيده الخبر للواقع في الخارج ، أي الوجود فمعنى كون المنافقين كاذبون هنا أنهم كاذبون في إخبارهم عن أنفسهم بأنهم يشهدون بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول الله لأن خبرهم ذلك مخالف لما في أنفسهم فهم لا يشهدون به ولا يوافق قولهم ما في نفوسهم. وبهذا بطل احتجاج النظّام بظاهر هذه الآية على رأيه أن الكذب مخالفة الخبر لاعتقاد المخبر لأنه غفل عن قوله تعالى : (قالُوا نَشْهَدُ). وقد أشار إلى هذا الرد القزويني في «تلخيص المفتاح» وفي «الإيضاح».
وجملة (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) مبنية لجملة (يَشْهَدُ) مثل سابقتاها.
(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢))
استئناف بياني لأن تكذيب الله تعالى إياهم في قولهم للنبي صلىاللهعليهوسلم : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ١] يثير في أنفس السامعين سؤالا عن أيمانهم لدى النبيصلىاللهعليهوسلم بأنهم مؤمنون به وأنهم لا يضمرون بغضه فأخبر الله عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم تقية يتقون بها وقد وصفهم الله بالحلف بالأيمان الكاذبة في آيات كثيرة من القرآن.
والجنة : ما يستتر به ويتّقى ومنه سميت الدرع جنة.
والمعنى : جعلوا أيمانهم كالجنّة يتّقي بها ما يلحق من أذى. فلما شبهت الأيمان بالجنّة على طريقة التشبيه البليغ ، أتبع ذلك بتشبيه الحلف باتخاذ الجنة ، أي استعمالها ، ففي (اتَّخَذُوا) استعارة تبعية ، وليس هذا خاصا بحلف عبد الله بن أبيّ أنه قال : «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» ، كما تقدم في ذكر سبب نزولها ، بل هو أعمّ ، ولذلك فالوجه حمل ضمائر الجمع في قوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) الآية على حقيقتها ، أي اتخذ المنافقون كلّهم أيمانهم جنة ، أي كانت تلك تقيتهم ، أي تلك شنشنة معروفة فيهم.
(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) تفريع لصدهم عن سبيل الله على الحلف الكاذب لأن اليمين الفاجرة من كبائر الإثم لما فيها من الاستخفاف بجانب الله تعالى ولأنهم لما حلفوا على الكذب ظنوا أنهم قد أمنوا اتّهام المسلمين إياهم بالنفاق فاستمروا على الكفر والمكر بالمسلمين وذلك صدّ عن سبيل الله ، أي إعراض عن الأعمال التي أمر الله بسلوكها.
وفعل (صدّوا) هنا قاصر الذي قياس مضارعه يصدّ بكسر الصاد.