والمعنى : فقطع ما قطعتم من النخل وترك ما تركتم لأن الله أذن للمسلمين به لصلاح لهم فيه ، (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) ، أي ليهين بني النضير فيروا كرائم أموالهم بعضها مخضود وبعضها بأيدي أعدائهم. فذلك عزة للمؤمنين وخزي للكافرين والمراد ب (الْفاسِقِينَ) هنا : يهود النضير.
وعدل عن الإتيان بضميرهم كما أتي بضمائرهم من قبل ومن بعد إلى التعبير عنهم بوصف (الْفاسِقِينَ) لأن الوصف المشتق يؤذن بسبب ما اشتق منه في ثبوت الحكم ، أي ليجزيهم لأجل الفسق.
والفسق : الكفر.
(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) [الحشر : ٥] الآية فتكون امتنانا وتكملة لمصارف أموال بني النضير.
ويجوز أن تكون عطفا على مجموع ما تقدم عطف القصة على القصة والغرض على الغرض للانتقال إلى التعريف بمصير أموال بني النضير لئلا يختلف رجال المسلمين في قسمته. ولبيان أن ما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم في قسمة أموال بني النضير هو عدل إن كانت الآية نزلت بعد القسمة وما صدق (ما أَفاءَ اللهُ) هو ما تركوه من الأرض والنخل والنقض والحطب.
والفيء معروف في اصطلاح الغزاة ، ففعل أفاء أعطى الفيء ، فالفيء في الحروب والغارات ما يظفر به الجيش من متاع عدوّهم وهو أعم من الغنيمة ولم يتحقق أئمة اللغة في أصل اشتقاقه فيكون الفيء بقتال ويكون بدون قتال ، وأما الغنيمة فهي ما أخذ بقتال.
وضمير (مِنْهُمْ) عائد إلى (الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) [الحشر : ٢] الواقع في أول السورة وهم بنو النضير. وقيل : أريد به الكفار ، وأنه نزّل في فيء فدك فهذا بعيد ومخالف للآثار.
وقوله : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) خبر عن (ما) الموصولة قرن بالفاء لأن الموصول كالشرط لتضمنه معنى التسبب كما تقدم آنفا في قوله : (فَبِإِذْنِ اللهِ) [الحشر : ٥].