فَضْلِ اللهِ تنبيها على أن لهم سعة من النهار يجعلونها للبيع ونحوه من ابتغاء أسباب المعاش فلا يأخذوا ذلك من وقت الصلاة ، وذكر الله. والأمر في (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) للإباحة.
والمراد ب (فَضْلِ اللهِ) : اكتساب المال والرزق.
وأما قوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) فهو احتراس من الانصباب في أشغال الدنيا انصبابا ينسي ذكر الله ، أو يشغل عن الصلوات فإن الفلاح في الإقبال على مرضاة الله تعالى.
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))
عطف على جملة (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الجمعة : ٩] الآية. عطف التوبيخ على ترك المأمور به بعد ذكر الأمر وسلكت في المعطوفة طريقة الالتفات لخطاب النبي صلىاللهعليهوسلم إيذانا بأنهم أحرياء أن يصرف للخطاب عنهم فحرموا من عز الحضور. وأخبر عنهم بحال الغائبين ، وفيه تعريض بالتوبيخ.
ومقتضى الظاهر أن يقال : وإذا رأيتم تجارة أو لهوا فلا تنفضّوا إليها. ومن مقتضيات تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر هنا أن يكون هذا التوبيخ غير شامل لجميع المؤمنين فإن نفرا منهم بقوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم حين خطبته ولم يخرجوا للتجارة ولا للهو.
وفي «الصحيح» عن جابر بن عبد الله قال : «بينما نحن نصلّي مع النبيصلىاللهعليهوسلم وهو يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير من الشام تحمل طعاما فانفتل الناس إليها حتى لم يبق مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم». وفي رواية : وفيهم أبو بكر وعمر ، فأنزل الله فيهم هذه الآية التي في الجمعة (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) اه. وقد ذكروا في روايات أخرى أنه بقي مع النبي صلىاللهعليهوسلم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعيد بن زيد ، وبلال ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وجابر بن عبد الله ، فهؤلاء أربعة عشر. وذكر الدارقطني في حديث جابر : «أنه قال ليس مع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم إلا أربعون رجلا».