والإشارة إليهم ب (فَأُولئِكَ) للتنبيه على أنهم استحقوا ما بعد اسم الإشارة بسبب ما ذكر قبل اسم الإشارة ، أعني اللهو عن ذكر الله.
(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠))
هذا إبطال ونقض لكيد المنافقين حين قالوا : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) [المنافقون : ٧] ، وهو يعمّ الإنفاق على الملتفين حول رسول الله صلىاللهعليهوسلم والإنفاق على غيرهم فكانت الجملة كالتذييل.
وفعل (أَنْفِقُوا) مستعمل في الطلب الشامل للواجب والمستحب فإن مدلول صيغة: افعل ، مطلق الطلب ، وهو القدر المشترك بين الوجوب والندب.
وفي قوله : (مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) إشارة إلى أن الإنفاق المأمور به شكر لله على ما رزق المنفق فإن الشكر صرف العبد ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله ، ويعرف ذلك من تلقاء الشريعة.
و (مِنْ) للتبعيض ، أي بعض ما رزقناكم ، وهذه توسعة من الله على عباده ، وهذا البعض منه هو معيّن المقدار مثل مقادير الزكاة وصدقة الفطر. ومنه ما يتعين بسدّ الخلة الواجب سدّها مع طاقة المنفق كنفقات الحج والجهاد والرباط ونفقات العيال الواجبة ونفقات مصالح المسلمين الضرورية والحاجيّة ، ومنه ما يتعين بتعين سببه كالكفارات ، ومنه ما وكل للناس تعيينه مما ليس بواجب من الإنفاق فذلك موكول إلى رغبات الناس في نوال الثواب فإن ذلك باب عظيم من القربى من رضى الله تعالى ، وفي الحديث «الصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار».
وقد ذكّر الله المؤمنين بما في الإنفاق من الخير بأن عليهم أن يكثروا منه ما داموا مقتدرين قبل الفوت ، أي قبل تعذر الإنفاق والإتيان بالأعمال الصالحة ، وذلك حين يحسّ المرء بحالة تؤذن بقرب الموت ويغلب على قواه فيسأل الله أن يؤخر موته ويشفيه ليأتي بكثير مما فرط فيه من الحسنات طمعا أن يستجاب له فإن كان في أجله تأخير فلعل الله أن يستجيب له ، فإن لم يكن في الأجل تأخير أو لم يقدر الله له الاستجابة فإنه خير كثير.
و (لَوْ لا) حرف تحضيض ، والتحضيض الطلب الحثيث المضطر إليه ، ويستعمل