الذي هو تنظير ما أوذي به موسى من قومه وما أوذي به عيسى من قومه إدماجا يؤيد به النبي صلىاللهعليهوسلم ويثبّت فؤاده ويزيده تسلية. وفيها تخلص إلى أن ما لقيه من قومه نظير ما لقيه عيسى من بني إسرائيل.
وقوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) هو مناط الأذى.
فإن المتبادر أن يعود ضمير الرفع في قوله : (جاءَهُمْ) إلى عيسى ، وأن يعود ضمير النصب إلى الذين خاطبهم عيسى. والتقدير : فكذبوه ، فلما جاءهم بالمعجزات قالوا هذا سحر أو هو ساحر.
ويحتمل أن يكون ضمير الرفع عائدا إلى رسول يأتي من بعدي. وضمير النصب عائدا إلى لفظ بني إسرائيل ، أي بني إسرائيل غير الذين دعاهم عيسى عليهالسلام من باب : عندي درهم ونصفه ، أي نصف ما يسمّى بدرهم ، أي فلما جاءهم الرسول الذي دعاه عيسى باسم أحمد بالبينات ، أي دلائل انطباق الصفات الموعود بها قالوا هذا سحر أو هذا ساحر مبين فيكون هذا التركيب مبين من قبيل الكلام الموجه.
وحصل أذاهم بهذا القول لكلا الرسولين.
فالجملة على هذا الاحتمال تحمل على أنها اعتراض بين المتعاطفات وممهدة للتخلص إلى مذمة المشركين وغيرهم ممن لم يقبل دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بفتح الياء من قوله : (بَعْدِي). وقرأه الباقون بسكونها. قال في «الكشاف» : واختار الخليل وسيبويه الفتح.
وقرأ الجمهور (هذا سِحْرٌ) بكسر السين. وقرأه حمزة والكسائي وخلف هذا ساحر فعلى الأولى الإشارة للبنات ، وعلى الثانية الإشارة إلى عيسى أو إلى الرسول.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧))
كانت دعوة النبي ص مماثلة دعوة عيسى عليهالسلام وكان جواب الذين دعاهم إلى الإسلام من أهل الكتابين والمشركين مماثلا لجواب الذين دعاهم عليهالسلام. فلما أدمج في حكاية دعوة عيسى بشارته برسول يأتي من بعده ناسب أن ينقل الكلام إلى ما قابل به قوم الرسول الموعود دعوة رسولهم فلذلك ذكر في دعوة هذا الرسول دين الإسلام فوصفوا