كانت الداعي الأقوى لانفضاضهم.
وجملة (وَتَرَكُوكَ قائِماً) تفظيع لفعلهم إذ فرطوا في سماع وعظ النبيصلىاللهعليهوسلم ، أي تركوك قائما على المنبر. وذلك في خطبة الجمعة ، والظاهر أنها جملة حالية ، أي تركوك في حال الموعظة والإرشاد فأضاعوا علما عظيما بانفضاضهم إلى التجارة واللهو. وهذه الآية تدل على وجوب حضور الخطبة في صلاة الجمعة إذ لم يقل : وتركوا الصلاة.
وأمر الله نبيئه صلىاللهعليهوسلم أن يعظهم بأن ما عند الله من الثواب على حضور الجمعة خير من فائدة التجارة ولذة اللهو. وكذلك ما أعد الله من الرزق للذين يؤثرون طاعة الله على ما يشغل عنها من وسائل الارتزاق جزاء لهم على إيثارهم جزاء في الدنيا قبل جزاء الآخرة ، فرب رزق لم ينتفع به الحريص عليه وإن كان كثيرا ، وربّ رزق قليل ينتفع به صاحبه ويعود عليه بصلاح ، قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧]. وقال حكاية عن خطاب نوع قومه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) [نوح : ١٠ ـ ١٢].
وذيل الكلام بقوله : (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأن الله يرزق الرزق لمن يرضى عنه سليما من الأكدار والآثام ، ولأنه يرزق خير الدنيا وخير الآخرة ، وليس غير الله قادرا على ذلك ، والناس في هذا المقام درجات لا يعلمها إلا الله وهو العالم بالسرائر.