خطبة بمنزلة ركعة وهذا سبب الجلوس بين الخطبتين للإيماء إلى أنهما قائمتان مقام الركعتين ولذلك كان الجلوس خفيفا. غير أن الخطبتين لم تعطيا أحكام الركعتين فلا يضر فوات إحداهما أو فواتهما معا ولا يجب على المسبوق تعويضهما ولا سجود لنقصهما عند جمهور فقهاء الأمصار ، روي عن عطاء ومجاهد وطاوس : أن من فاتته الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا صلاة الظهر. وعن عطاء : أن من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أضاف إليها ثلاث ركعات وهو أراد إن فاتته الخطبة وركعة من صلاة الجمعة (١).
وجعلت القراءة في الصلاة جهرا مع أن شأن صلوات النهار إسرار القراءة لفائدة إسماع الناس سورا من القرآن كما أسمعوا الخطبة فكانت صلاة إرشاد لأهل البلد في يوم من كل أسبوع.
والإجماع على أن صلاة الجمعة قائمة مقام صلاة الظهر في يوم الجمعة فمن صلاها لا يصلي معها ظهرا فأما من لم يصلها لعذر أو لغيره فيجب عليه أن يصلي الظهر. ورأيت في الجامع الأموي في دمشق قام إمام يصلي بجماعة ظهرا بعد الفراغ من صلاة الجمعة وذلك بدعة.
وإنما اختلف الأئمة في أصل الفرض في وقت الظهر يوم الجمعة فقال مالك والشافعي في آخر قوليه وأحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة : صلاة الجمعة المعروفة فرض وقت الزوال في يوم الجمعة وصلاة الظهر في ذلك اليوم لا تكون إلا بدلا عن صلاة الجمعة ، أي لمن لم يصل الجمعة لعذر ونحوه.
وقال أبو حنيفة والشافعي في أول قوليه (المرجوع عنه) وأبو يوسف ومحمد في رواية : الفرض بالأصل هو الظهر وصلاة الجمعة بدل عن الظهر ، وهو الذي صححه فقهاء الحنفية.
وقال محمد في رواية عنه : الفرض إحدى الصلاتين من غير تعيين والتعيين للمكلف فأشبه الواجب المخير (لأن الواجب المخير لا يأثم فيه فاعل أحد الأمرين وتارك الجمعة بدون عذر آثم).
قالوا : تظهر فائدة الخلاف في حرّ مقيم صلّى الظهر في أول الوقت ؛ فقال أبو حنيفة
__________________
(١) ذكره الجصاص في «أحكام القرآن» ص ٥٤٨ ج ٣.