الدين ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم ، واتصال هذه الآية بالآيات الّتي قبلها يجعل الاعتبارين سواء فدخل في حكم هذه الآية أصناف وهم حلفاء النبي صلىاللهعليهوسلم مثل خزاعة ، وبني الحارث بن كعب بن عبد مناة بن كنانة ، ومزينة كان هؤلاء كلهم مظاهرين النبي صلىاللهعليهوسلم ويحبون ظهوره على قريش ، ومثل النساء والصبيان من المشركين ، وقد جاءت قتيلة (بالتصغير ويقال لها : قتلة ، مكبرا) بنت عبد العزى من بني عامر بن لؤي من قريش وهي أم أسماء بنت أبي بكر الصديق إلى المدينة زائرة ابنتها وقتيلة يومئذ مشركة في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين كفار قريش بعد صلح الحديبية (وهي المدة التي نزلت فيها هذه السورة) فسألت أسماء رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتصل أمها؟ قال : «نعم صلي أمّك» ، وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في شأنها.
وقوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل اشتمال من (الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) إلخ ، لأن وجود ضمير الموصول في المبدل وهو الضمير المنصوب في (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) يجعل بر المسلمين بهم مما تشتمل عليه أحوالهم. فدخل في الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين نفر من بني هاشم منهم العباس بن عبد المطلب ، والذين شملتهم أحكام هذه الآية كلّهم قد قيل إنهم سبب نزولها وإنما هو شمول وما هو بسبب نزول.
والبرّ : حسن المعاملة والإكرام. وهو يتعدى بحرف الجر ، يقال : برّ به ، فتعديته هنا بنفسه على نزع الخافض.
والقسط : العدل. وضمن (تُقْسِطُوا) معنى تفضوا فعدّي ب (إلى) وكان حقه أن يعدّى باللام. على أن اللام و (إلى) يتعاقبان كثيرا في الكلام ، أي أن تعاملوهم بمثل ما يعاملونكم به من التقرب ، فإن معاملة أحد بمثل ما عامل به من العدل.
وجملة و (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) تذييل ، أي يحب كل مقسط فيدخل الذين يقسطون للذين حالفوهم في الدين إذا كانوا مع المخالفة محسنين معاملتهم.
وعن ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) الآية قال: نسخها القتال ، قال الطبري : لا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن بر المؤمن بمن بينه وبينه قرابة من أهل الحرب أو بمن لا قرابة بينه وبينه غير محرم إذا لم يكن في ذلك دلالة على عورة لأهل الإسلام. اه.
ويؤخذ من هذه الآية جواز معاملة أهل الذمة بالإحسان وجواز الاحتفاء بأعيانهم.