فجملة (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) إلى آخرها مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن سؤال مفروض ممن يسمع جملة (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة : ٢] ، أي من حق ذلك أن يسأل عن آثاره لخطر أمرها.
وإذا كان ناشئا عن كلام جرى مجرى التعليل لجملة (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة : ١] ، فهو أيضا مفيد تعليلا ثانيا بحسب المعنى ، ولو لا إرادة الاستئناف البياني لجاءت هذه الجملة معطوفة بالواو على التي قبلها ، وزاد ذلك حسنا أن ما صدر من حاطب ابن أبي بلتعة مما عدّ عليه هو موالاة للعدوّ ، وأنه اعتذر بأنه أراد أن يتخذ عند المشركين يدا يحمون بها قرابته (أي أمه وأخواته). ولذلك ابتدئ في نفي النفع بذكر الأرحام لموافقة قصة حاطب لأن الأم ذات رحم والإخوة أبناؤها هم إخوته من رحمه.
وأما عطف (وَلا أَوْلادُكُمْ) فتتميم لشمول النهي قوما لهم أبناء في مكة.
والمراد بالأرحام : ذوو الأرحام على حذف مضاف لظهور القرينة.
و (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف يتنازعه كل من فعل (لَنْ تَنْفَعَكُمْ) ، وفعل (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ). إذ لا يلزم تقدم العاملين على المعمول المتنازع فيه إذا كان ظرفا لأن الظروف تتقدم على عواملها وأن أبيت هذا التنازع فقل هو ظرف (تَنْفَعَكُمْ) واجعل ل (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) ظرفا محذوفا دلّ عليه المذكور.
والفصل هنا : التفريق ، وليس المراد به القضاء. والمعنى : يوم القيامة يفرق بينكم وبين ذوي أرحامكم وأولادكم فريق في الجنة وفريق في السعير ، قال تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس : ٣٤ ـ ٣٧].
والمعنى : أنهم لا ينفعونكم يوم القيامة فما لكم ترفضون حقّ الله مراعاة لهم وهم يفرّون منكم يوم اشتداد الهول ، خطّأ رأيهم في موالاة الكفار أولا بما يرجع إلى حال من والوه. ثم خطّاه ثانيا بما يرجع إلى حال من استعملوا الموالاة لأجلهم ، وهو تقسيم حاصر إشارة إلى أن ما أقدم عليه حاطب من أي جهة نظر إليه يكون خطأ وباطلا.
وقرأ الجمهور (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) ببناء (يَفْصِلُ) للمجهول مخففا. وقرأه عاصم ويعقوب (يَفْصِلُ) بالبناء الفاعل ، وفاعله ضمير عائد إلى الله لعلمه من المقام ، وقرأه حمزة والكسائي وخلف (يَفْصِلُ) مشدد الصاد مكسورة مبنيا للفاعل مبالغة في الفصل ، والفاعل ضمير يعود إلى الله المعلوم من المقام.