ومظاهرة ، ولم يقولوا في مصدره بوزن التظهر ، فقراءة نافع قد استغني فيها عن مصدره بمصدر مرادفه.
ومعناه أن يقول الرجل لزوجه : أنت عليّ كظهر أمّي. وكان هذا قولا يقولونه في الجاهلية يريدون به تأبيد تحريم نكاحها وبتّ عصمته. وهو مشتق من الظهر ضد البطن لأن الذي يقول لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، يريد بذلك أنه حرمها على نفسه. كما أن أمه حرام عليه ، فإسناد تركيب التشبيه إلى ضمير المرأة على تقدير حالة من حالاتها ، وهي حالة الاستمتاع المعروف ، سلكوا في هذا التحريم مسلك الاستعارة المكنية بتشبيه الزوجة حين يقربها زوجها بالراحلة ، وإثبات الظهر لها تخيّل للاستعارة ، ثم تشبيه ظهر زوجته بظهر أمه ، أي في حالة من أحواله ، وهي حالة الاستمتاع المعروف. وجعل المشبه ذات الزوجة. والمقصود أخصّ أحوال الزوجة وهو حال قربانها فآل إلى إضافة الأحكام إلى الأعيان.
فالتقدير : قربانك كقربان ظهر أمي ، أي اعتلائها الخاص. ففي هذه الصيغة حذف ومجيء حروف لفظ ظهر في صيغة ظهار أو مظاهرة يشير إلى صيغة التحريم التي هي «أنت عليّ كظهر أمّي» إيماء إلى تلك الصيغة على نحو ما يستعمل في النحت وليس هو من التحت لأن النحت يشتمل على حروف من عدة كلمات.
قال المفسرون وأهل اللغة : كان الظهار طلاقا في الجاهلية يقتضي تأبيد التحريم.
وأحسب أنه كان طلاقا عند أهل يثرب وما حولها لكثرة مخالطتهم اليهود ولا أحسب أنّه كان معروفا عند العرب في مكة وتهامة ونجد وغيرها ولم أقف على ذلك في كلامهم. وحسبك أن لم يذكر في القرآن إلا في المدني هنا وفي سورة الأحزاب.
والذي يلوح لي أن أهل يثرب ابتدعوا هذه الصيغة للمبالغة في التحريم ، فإنهم كانوا قبل الإسلام ممتزجين باليهود متخلّقين بعوائدهم ، وكان اليهود يمنعون أن يأتي الرجل امرأته من جهة خلفها كما تقدم في قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) في سورة البقرة [٢٢٣]. فلذلك جاء في هذه الصيغة لفظ الظّهر ، فجمعوا في هذه الصيغة تغليظا من التحريم وهي أنها كأمّه ، بل كظهر أمه. فجاءت صيغة شنيعة فظيعة.
وأخذوا من صيغة «أنت علي كظهر أمي» أصرح ألفاظها وأخصها بغرضها وهو لفظ «ظهر» فاشتقّوا منه الفعل بزنات متعددة ، يقولون : ظاهر من امرأته ، وظهّر مثل ضاعف وضعّف ، ويدخلون عليهما تاء المطاوعة ، فيقولون : تظاهر منها وتظهر ، وليس هذا من