تلك القصة بقصة هي مثل في ضدها لأن تطلب ذي الفضل والكمال للازدياد منهما وسعيه للظفر بمن يبلغه الزيادة من الكمال ، اعترافا للفاضل بفضيلته. وفي ذلك إبداء المقابلة بين الخلقين وإقامة الحجة على المماثلة والمخالفة بين الفريقين المؤمنين والكافرين ، وفي خلال ذلك تعليم وتنويه بشأن العلم والهدى ، وتربية للمتقين.
ولأن هذه السورة نزلت بسبب ما سأل المشركون والذين أملوا عليهم من أهل الكتاب عن قصتين قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين. وقد تقضى الجواب عن القصة الأولى وما ذيلت به ، وآن أن ينتقل إلى الجواب عن القصة الثانية فتختم بذلك هذه السورة التي أنزلت لبيان القصتين. قدمت لهذه القصة الثانية قصة لها شبه بها في أنها تطواف في الأرض لطلب نفع صالح ، وهي قصة سفر موسى ـ عليهالسلام ـ لطلب لقاء من هو على علم لا يعلمه موسى. وفي سوق هذه القصة تعريض بأهل الكتاب بأن الأولى لهم أن يدلوا الناس على أخبار أنبياء إسرائيل وعلى سفر لأجل تحصيل العلم والحكمة لا سفر لأجل بسط الملك والسلطان.
فجملة (وَإِذْ قالَ مُوسى) معطوفة على جملة (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) [الكهف : ٥٠] عطف القصة على القصة. والتقدير : واذكر إذ قال موسى لفتاه ، أي اذكر ذلك الزمن وما جرى فيه. وناسبها تقدير فعل «اذكر» لأن في هذه القصة موعظة وذكرى كما في قصة خلق آدم.
فانتصب (إذ) على المفعولية به.
والفتى : الذكر الشاب ، والأنثى فتاة ، وهو مستعمل مجازا في التابع والخادم. وتقدم عند قوله تعالى : (تُراوِدُ فَتاها) في سورة يوسف [٣٠].
وفتى موسى : خادمه وتابعه ، فإضافة الفتى إلى ضمير موسى على معنى الاختصاص ، كما يقال : غلامه. وفتى موسى هو يوشع بن نون من سبط أفرايم. وقد قيل : إنه ابن أخت موسى ، كان اسمه الأصلي هوشع فدعاه موسى حين بعثه للتجسس في أرض كنعان يوشع. ولعل ذلك التغير في الاسم تلطف به ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأبي هريرة يا أبا هرّ. وفي التوراة : أن إبراهيم كان اسمه أبرام فلما أمره الله بخصال الفطرة دعاه إبراهام.
ولعل هذه التغييرات في العبرانية تفيد معاني غير معاني الأسماء الأولى فتكون كما دعا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم زيد الخيل زيد الخير.