(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥))
استئناف بياني لما اقتضته جملة (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) [الكهف : ١٤] إذ يثور في نفس السامع أن يتساءل عمن يقول هذا الشطط إن كان في السامعين من لا يعلم ذلك أو بتنزيل غير السائل منزلة السائل.
وهذه الجملة من بقية كلام الفتية كما اقتضاه ضمير قوله : (دُونِهِ) العائد إلى (رَبُّنا) [الكهف : ١٤].
والإشارة إلى قومهم ب (هؤُلاءِ) لقصد تمييزهم بما سيخبر به عنهم. وفي هذه الإشارة تعريض بالتعجب من حالهم وتفضيح صنعهم ، وهو من لوازم قصد التمييز.
وجملة (اتَّخَذُوا) خبر عن اسم الإشارة ، وهو خبر مستعمل في الإنكار عليهم دون الإخبار إذ اتخاذهم آلهة من دون الله معلوم بين المتخاطبين ، فليس الإخبار به بمفيد فائدة الخبر.
ومعنى (مِنْ دُونِهِ) من غيره ، و (من) ابتدائية ، أي آلهة ناشئة من غير الله ، وكان قومهم يومئذ يعبدون الأصنام على عقيدة الروم ولا يؤمنون بالله.
وجملة (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) مؤكدة للجملة التي قبلها باعتبار أنها مستعملة في الإنكار ، لأن مضمون هذه الجملة يقوي الإنكار عليهم.
و (لو لا) حرف تحضيض. حقيقته : الحثّ على تحصيل مدخولها. ولما كان الإتيان بسلطان على ثبوت الإلهية للأصنام التي اتخذوها آلهة متعذرا بقرينة أنهم أنكروه عليهم انصرف التحضيض إلى التبكيت والتغليط ، أي اتخذوا آلهة من دون الله لا برهان على إلهيتهم.
ومعنى (عَلَيْهِمْ) على آلهتهم ، بقرينة قوله : (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً).
والسلطان : الحجة والبرهان.
والبين : الواضح الدلالة. ومعنى الكلام : إذ لم يأتوا بسلطان على ذلك فقد أقاموا اعتقادهم على الكذب والخطأ ، ولذلك فرع عليه جملة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).