والمداد : اسم لما يمد به الشيء ، أي يزاد به على ما لديه. ولم يقل مدادا ، إذ ليس المقصود تشبيهه بالحبر لحصول ذلك بالتشبيه الذي قبله وإنما قصد هنا أن مثله يمده.
والنفاد : الفناء والاضمحلال ، ونفاد البحر ممكن عقلا.
وأما نفاد كلمات الله بمعنى تعلقات علمه فمستحيل ، فلا يفهم من تقييد نفاد كلمات الله بقيد الظرف وهو (قَبْلَ) إمكان نفاد كلمات الله ؛ ولكن لما بني الكلام على الفرض والتقدير بما يدل عليه (لو) كان المعنى لو كان البحر مدادا لكلمات ربي وكانت كلمات ربي مما ينفد لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي.
وهذا الكلام كناية عن عدم تناهي معلومات الله تعالى التي منها تلك المسائل الثلاث التي سألوا عنها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يقتضي قوله : (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) إن لكلمات الله تعالى نفادا كما علمته.
وجملة (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) في موضع الحال.
و (لَوْ) وصيلة ، وهي الدالة على حالة هي أجدر الأحوال بأن لا يتحقق معها مفاد الكلام السابق فينبّه السامع على أنها متحقق معها مفاد الكلام السابق. وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في سورة آل عمران [٩١] ، وهذا مبالغة ثانية.
وانتصب (مَدَداً) على التمييز المفسر للإبهام الذي في لفظ (بِمِثْلِهِ) ، أي مثل البحر في الإمداد.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))
استئناف ثان ، انتقل به من التنويه بسعة علم الله تعالى وأنه لا يعجزه أن يوحي إلى رسوله بعلم كل ما يسأل عن الإخبار به ، إلى إعلامهم بأن الرسول لم يبعث للإخبار عن الحوادث الماضية والقرون الخالية ، ولا أن من مقتضى الرسالة أن يحيط علم الرسول بالأشياء فيتصدى للإجابة عن أسئلة تلقى إليه ، ولكنه بشر علمه كعلم البشر أوحى الله إليه بما شاء إبلاغه عباده من التوحيد والشريعة ، ولا علم له إلّا ما علّمه ربّه كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) [الأعراف : ٢٠٣].