قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ١٥ ]

27/152
*

الكهف أنفسهم على أنه المشار إليه بقوله تعالى : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) [الكهف: ١٩]. وفي هذا بعد من لفظ حزب إذ كان القائل واحدا والآخرون شاكين ، وبعيد أيضا من فعل (أَحْصى) لأن أهل الكهف ما قصدوا الإحصاء لمدة لبثهم عند إفاقتهم بل خالوها زمنا قليلا. فالوجه : أن المراد بالحزبين حزبان من الناس أهل بلدهم اختلفت أقوالهم في مدة لبثهم بعد أن علموا انبعاثهم من نومتهم ، أحد الفريقين مصيب والآخر مخطئ ، والله يعلم المصيب منهم والمخطئ ، فهما فريقان في جانبي صواب وخطأ كما دل عليه قوله : (أَحْصى).

ولا ينبغي تفسير الحزبين بأنهما حزبان من أهل الكهف الذين قال الله فيهم : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) الآية [الكهف : ١٩].

وجعل حصول علم الله بحال الحزبين علة لبعثه إياهم كناية عن حصول الاختلاف في تقدير مدتهم فإنهم إذا اختلفوا علم الله اختلافهم علم الواقعات ، وهو تعلق للعلم يصح أن يطلق عليه تنجيزي وإن لم يقع ذلك عند علماء الكلام.

وقد تقدم عند قوله تعالى : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) في أول السورة الكهف [٧].

و (أَحْصى) يحتمل أن يكون فعلا ماضيا ، أن يكون اسم تفضيل مصوغا من الرباعي على خلاف القياس. واختار الزمخشري في «الكشاف» تبعا لأبي علي الفارسي الأول تجنبا لصوغ اسم التفضيل على غير قياس لقلته. واختار الزجاج الثاني. ومع كون صوغ اسم التفضيل من غير الثلاثي ليس قياسا فهو كثير في الكلام الفصيح وفي القرآن.

فالوجه ، أن (أَحْصى) اسم تفضيل ، والتفضيل منصرف إلى ما في معنى الإحصاء من الضبط والإصابة. والمعنى : لنعلم أي الحزبين أتقن إحصاء ، أي عدا بأن يكون هو الموافق للواقع ونفس الأمر ويكون ما عداه تقريبا ورجما بالغيب. وذلك هو ما فصله قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) [الكهف : ٢٢] الآية.

ف (أي) اسم استفهام مبتدا وهو معلق لفعل (لِنَعْلَمَ) عن العمل ، (وَأَحْصى) خبر عن (أي) و (أَمَداً) تمييز لاسم التفصيل تمييز نسبة ، أي نسبة التفضيل إلى موصوفه كما في قوله : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) [الكهف : ٣٤]. ولا يريبك أنه لا يتضح أن يكون هذا التمييز محولا عن الفاعل لأنه لا يستقيم أن تقول : أفضل أمده ، إذ التحويل أمر تقديري