فالحصر في قوله (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) قصر الموصوف على الصفة وهو إضافي للقلب ، أي ما أنا إلّا بشر لا أتجاوز البشرية إلى العلم بالمغيّبات.
وأدمج في هذا أهم ما يوحي إليه وما بعث لأجله وهو توحيد الله والسعي لما فيه السلامة عند لقاء الله تعالى. وهذا من ردّ العجز على الصدر من قوله في أوّل السورة (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) إلى قوله (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [الكهف : ٢ ـ ٥].
وجملة (يُوحى إِلَيَ) مستأنفة ، أو صفة ثانية ل (بَشَرٌ).
و (إِنَّما) مفتوحة الهمزة أخت (إنما) المكسورة الهمزة وهي مركبة من (أنّ) المفتوحة الهمزة و (ما) الكافة كما ركبت (إنما) المكسورة الهمزة فتفيد ما تفيده (أنّ) المفتوحة من المصدرية ، وما تفيده (إنما) من الحصر ، والحصر المستفاد منها هنا قصر إضافي للقلب. والمعنى : يوحي الله إليّ توحيد الإله وانحصار وصفه في صفة الوحدانية دون المشاركة.
وتفريع (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) هو من جملة الموحى به إليه ، أي يوحى إليّ بوحدانية الإله وبإثبات البعث وبالأعمال الصالحة.
فجاء النظم بطريقة بديعة في إفادة الأصول الثلاثة ، إذ جعل التوحيد أصلا لها وفرع عليه الأصلان الآخران ، وأكد الإخبار بالوحدانية بالنّهي عن الإشراك بعبادة الله تعالى ، وحصل مع ذلك ردّ العجز على الصدر وهو أسلوب بديع.