وقرأ الجمهور (مَكَّنِّي) بنون مدغمة ، وقرأه ابن كثير بالفك على الأصل.
وقوله (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) هو أمر لهم بمناولة زبر الحديد. فالإيتاء مستعمل في حقيقة معناه وهو المناولة وليس تكليفا للقوم بأن يجلبوا له الحديد من معادنه لأن ذلك ينافي قوله (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي أنه غني عن تكليفهم إنفاقا على جعل السدّ. وكأن هذا لقصد إقامة أبواب من حديد في مداخل الردم لمرور سيول الماء في شعب الجبل حتى لا ينهدم البناء بأن جعل الأبواب الحديدية كالشبابيك تمنع مرور الناس ولا تمنع انسياب الماء من بين قضبها ، وجعل قضبان الحديد معضودة بالنحاس المذاب المصبوب على الحديد.
والزبر : جمع زبرة ، وهي القطعة الكبيرة من الحديد.
والحديد : معدن من معادن الأرض يكون قطعا كالحصى ودون ذلك فيها صلابة.
وهو يصنف ابتداء إلى صنفين : ليّن ، ويقال له الحديد الأنثى ، وصلب ويقال له الذكر. ثم يصنف إلى ثمانية عشر صنفا ، وألوانه متقاربة وهي السنجابي ، منها ما هو إلى الحمرة ، ومنها ما هو إلى البياض ، وهو إذا صهر بنار قوية في أتون مغلق التأمت أجزاؤه وتجمعت في وسط النار كالإسفنجة واشتدت صلابته لأنه بالصهر يدفع ما فيه من الأجزاء الترابية وهي المسماة بالصدإ والخبث ، فتعلو تلك الأجزاء على سطحه وهي الزبد. وخبث الحديد الوارد في الحديث : «إنّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد». ولذلك فبمقدار ما يطفو من تلك الأجزاء الغربية الخبيثة يخلص الجزء الحديدي ويصفو ويصير زبرا. ومن تلك الزبر تصنع الأشياء الحديدية من سيوف وزجاج ودروع ولأمات ، ولا وسيلة لصنعه إلّا الصهر أيضا بالنار بحيث تصير الزبرة كالجمر ، فحينئذ تشكّل بالشكل المقصود بواسطة المطارق الحديدية.
والعصر الذي اهتدى فيه البشر لصناعة الحديد يسمى في التاريخ العصر الحديدي.
وقوله : (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) أشعرت (حَتَّى) بشيء مغيّا قبلها ، وهو كلام محذوف تقديره : فآتوه زبر الحديد فنضدها وبناها حتى إذا جعل ما بين الصدفين مساويا لعلو الصدفين. وهذا من إيجاز الحذف. والمساواة : جعل الأشياء متساوية ، أي متماثلة في مقدار أو وصف.
والصدفان ـ بفتح الصاد وفتح الدال ـ في قراءة الجمهور وهو الأشهر. وقرأه ابن