التعدية حاصلة بالباء ، بل أسرى فعل مفتح بالهمزة مرادف سرى ، وهو مثل أبان المرادف بان ، ومثل أنهج الثوب بمعنى نهج أي بلي ، ف (أَسْرى بِعَبْدِهِ) بمنزلة (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [البقرة : ١٧].
وللمبرد والسهيلي نكتة في التفرقة بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء بأن الثانية أبلغ لأنها في أصل الوضع تقتضي مشاركة الفاعل المفعول في الفعل ، فأصل (ذهب به) أنه استصحبه ، كما قال تعالى (وَسارَ بِأَهْلِهِ) [القصص : ٢٩]. وقالت العرب أشبعهم شتما ، وراحوا بالإبل. وفي هذا لطيفة تناسب المقام هنا إذ قال (أَسْرى بِعَبْدِهِ) دون سرّى بعبده ، وهي التلويح إلى أن الله تعالى كان مع رسوله في إسرائه بعنايته وتوفيقه ، كما قال تعالى (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨] ، وقال : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠].
فالمعنى : الذي جعل عبده مسريا ، أي ساريا ، وهو كقوله تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ٨١].
وإذ قد كان السرى خاصا بسير الليل كان قوله : (لَيْلاً) إشارة إلى أن السير به إلى المسجد الأقصى كان في جزء ليلة ، وإلا لم يكن ذكره إلا تأكيدا ، على أن الإفادة كما يقولون خير من الإعادة.
وفي ذلك إيماء إلى أنه أسراء خارق للعادة لقطع المسافة التي بين مبدأ السير ونهايته في بعض ليلة ، وأيضا ليتوسل بذكر الليل إلى تنكيره المفيد للتعظيم.
فتنكير (لَيْلاً) للتعظيم ، بقرينة الاعتناء بذكره مع علمه من فعل (أَسْرى) ، وبقرينة عدم تعريفه ، أي هو ليل عظيم باعتبار جعله زمنا لذلك السرى العظيم ، فقام التنكير هنا مقام ما يدل على التعظيم. ألا ترى كيف احتيج إلى الدلالة على التعظيم بصيغة خاصة في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر : ١ ـ ٢] إذ وقعت ليلة القدر غير منكرة. (١)
و (عبد) المضاف إلى ضمير الجلالة هنا هو محمد صلىاللهعليهوسلم كما هو مصطلح القرآن ، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى الله تعالى إلا مرادا به النبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) وأما قوله : أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ فذلك توكيد لأن المتحدث عنهم ينكرونه ولا يعبئون بما أعد لهم فيه من الأهوال.