والسعي المشكور هو المشكور ساعيه ، فوصفه به مجاز عقلي ، إذ المشكور المرضي عنه ، وإذ المقصود الإخبار عن جزاء عمل من أراد الآخرة وسعى لها سعيها لا عن حسن عمله لأنه قسيم لجزاء من أراد العاجلة وأعرض عن الآخرة ، ولكن جعل الوصف للعمل لأنه أبلغ في الإخبار عن عامله بأنه مرضي عنه لأنه في معنى الكناية الراجعة إلى إثبات الشيء بواسطة إثبات ملزومه.
والتعبير ب (كانَ) في (كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) للدلالة على أن الوصف تحقق فيه من قبل ، أي من الدنيا لأن الطاعة تقتضي ترتب الشكر عاجلا والثواب آجلا. وقد جمع كونه مشكورا خيرات كثيرة يطول تفصيلها لو أريد تفصيله.
(كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠))
تذييل لآية (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) إلى آخرها [الإسراء : ١٨].
وهذه الآية فذلكة للتنبيه على أن الله تعالى لم يترك خلقه من أثر رحمته حتى الكفرة منهم الذين لا يؤمنون بلقائه فقد أعطاهم من نعمة الدنيا على حسب ما قدر لهم وأعطى المؤمنين خيري الدنيا والآخرة. وذلك مصداق قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الأعراف: ١٥٦] وقوله فيما رواه عنه نبيّه صلىاللهعليهوسلم «إن رحمتي سبقت غضبي».
وتنوين (كُلًّا) تنوين عوض عن المضاف إليه ، أي كل الفريقين ، وهو منصوب على المفعولية لفعل (نُمِدُّ).
وقوله : (هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ) بدل من قوله : (كُلًّا) بدل مفصل من مجمل.
ومجموع المعطوف والمعطوف عليه هو البدل كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر». والمقصود من الإبدال التعجيب من سعة رحمة الله تعالى.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) في الموضعين إلى من كان يريد العاجلة ومن أراد الآخرة. والأصل أن يكون المذكور أول عائدا إلى الأول إلا إذا اتصل بأحد الاسمين ما يعين معاده. وقد اجتمع الأمران في قول المتلمس :
ولا يقيم على ضيم يراد به |
|
إلا الأذلان عير الحي والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمته |
|
وذا يشج فلا يرثي له أحد |
والإمداد : استرسال العطاء وتعاقبه. وجعل الجديد منه مددا للسالف بحيث لا