(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧))
كان المشركون يحيطون بالنبيء صلىاللهعليهوسلم في المسجد الحرام إذا قرأ القرآن يستمعون لما يقوله ليتلقفوا ما في القرآن مما ينكرونه ، مثل توحيد الله ، وإثبات البعث بعد الموت ، فيعجب بعضهم بعضا من ذلك ، فكان الإخبار عنهم بأنهم جعلت في قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقر وأنهم يولون على أدبارهم نفورا إذا ذكر الله وحده ، ويثير في نفس السامع سؤالا عن سبب تجمعهم لاستماع قراءة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فكانت هذه الآية جوابا عن ذلك السؤال. فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا.
وافتتاح الجملة بضمير الجلالة لإظهار العناية بمضمونها. والمعنى : أنّ الله يعلم علما حقا داعي استماعهم ، فإن كثرت الظنون فيه فلا يعلم أحد ذلك السبب.
«وأعلم» اسم تفضيل مستعمل في معنى قوة العلم وتفصيله. وليس المراد أن الله أشد علما من غيره إذ لا يقتضيه المقام.
والباء في قوله : (بِما يَسْتَمِعُونَ) لتعدية اسم التفضيل إلى متعلقه لأنّه قاصر عن التعدية إلى المفعول. واسم التفضيل المشتق من العلم ومن الجهل يعدى بالباء وفي سوى ذينك يعدى باللام. يقال : هو أعطى للدراهم.
والباء في (يَسْتَمِعُونَ بِهِ) للملابسة. والضمير المجرور بالباء عائد إلى (ما) الموصولة ، أي نحن أعلم بالشيء الذي يلابسهم حين يستمعون إليك ، وهي ظرف مستقر في موضع الحال. والتقدير : متلبسين به.
وبيان إبهام (ما) حاصل بقوله : (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى).
و (إذ) ظرف ل (يَسْتَمِعُونَ بِهِ).
والنجوى : اسم مصدر المناجاة ، وهي المحادثة سرا. وتقدم في قوله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) في سورة النساء [١١٤].
وأخبر عنهم بالمصدر للمبالغة في كثرة تناجيهم عند استماع القرآن تشاغلا عنه.
و (إِذْ هُمْ نَجْوى) عطف على (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) ، أي نحن أعلم بالّذي يستمعونه ، ونحن أعلم بنجواهم.