بالعاقبة ، مثل ما يسوله للناس من قضاء دواعي الغضب والشهوة ومحبة العاجل دون تفكير في الآجل ، وكل ذلك لا يخلو عن مقارنة الأمر المكروه أو كونه آئلا إليه بالإضرار. وقد بسط هذا الغزالي في كتاب الغرور من كتاب «إحياء علوم الدين».
وإظهار اسم الشيطان في قوله : (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ) دون أن يؤتى بضميره المستتر لأن هذا الاعتراض جملة مستقلة فلو كان فيها ضمير عائد إلى ما في جملة أخرى لكان في النثر شبه عيب التضمين في الشعر ، ولأن هذه الجملة جارية مجرى المثل فلا يحسن اشتمالها على ضمير ليس من أجزائها.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))
وجملة (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) من تمام الكلام المحكي ب (قالَ اذْهَبْ) [الإسراء : ٦٣]. وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن قوله : (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) [الإسراء : ٦٣] وقوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) [الإسراء : ٦٤] ، فإن مفهوم (فَمَنْ تَبِعَكَ) و (مَنِ اسْتَطَعْتَ) [الإسراء : ٦٤] ذريّة من قبيل مفهوم الصفة فيفيد أن فريقا من درية آدم لا يتبع إبليس فلا يحتنكه. وهذا المفهوم يفيد أن الله قد عصم أو حفظ هذا الفريق من الشيطان ، وذلك يثير سؤالا في خاطر إبليس ليعلم الحائل بينه وبين ذلك الفريق بعد أن علم في نفسه علما إجماليا أن فريقا لا يحتنكه لقوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢]. فوقعت الإشارة إلى تعيين هذا الفريق بالوصف وبالسبب.
فأما الوصف ففي قوله : (عِبادِي) المفيد أنهم تمحضوا لعبودية الله تعالى كما تدل عليه الإضافة ، فعلم أن من عبدوا الأصنام والجن وأعرضوا عن عبودية الله تعالى ليسوا من أولئك.
وأما السبب ففي قوله : (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) المفيد أنهم توكلوا على الله واستعاذوا به من الشيطان ، فكان خير وكيل لهم إذ حاطهم من الشيطان وحفظهم منه.
وفي هذا التوكل مراتب من الانفلات عن احتناك الشيطان ، وهي مراتب المؤمنين من الأخذ بطاعة الله كما هو الحق عند أهل السنّة.
فالسلطان المنفي في قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) هو الحكم المستمر بحيث يكونون رعيته ومن جنده. وأما غيرهم فقد يستهويهم الشيطان ولكنهم لا يلبثون أن يثوبوا إلى الصالحات ، وكفاك من ذلك دوام توحيدهم لله ، وتصديقهم رسوله ، واعتبارهم أنفسهم