وفيه انه وان كان الأمر كذلك إلا انه مع ضعف سنده معارض بما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأدلة الدالة على القول الآخر الظاهرة في الرجحان عليه.
هذا ، ولهم في تفسير الإصرار أقوال مختلفة ، فقيل انه عبارة عن الإكثار من الصغائر سواء كان من نوع واحد أو من أنواع مختلفة ، وقيل انه عبارة عن المداومة على نوع واحد منها ، ونقل بعضهم قولا بان المراد به عدم التوبة ، قال في البحار بعد نقله : وهو ضعيف وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد في قواعده تقسيم الإصرار إلى فعلى وحكمي. إلى آخر ما قدمناه من كلامه ، قال في البحار وارتضاه جماعة من المتأخرين. وأنت خبير بان النصوص خالية من بيان خصوص ذلك صريحا إلا ما يفهم من رواية جابر وظاهر جملة من الأصحاب الاعراض عن ما دلت عليه والميل الى ما اخترناه من المعنى المذكور المأخوذ فيه العزم على العود.
قال بعض المحققين من متأخري المتأخرين : وبالجملة ظاهر الجمع بين الروايات والأخبار الواردة في هذا الباب ان العدل واقعا من يكون ارتكابه للمعاصي على سبيل الندرة بحيث يكون عامة أو قامة متجانبا عنها بحيث ان صدر منه شيء تذكر واستغفر كما قال سبحانه «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ» (١) فحينئذ ان صدر منه صغيرة ولو غير مرة وغفل عن توبته لا يضره ذلك ولم يصر بذلك مصرا. انتهى.
الثاني من القولين المذكورين هو ان الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وابن حمزة والفاضلين وجمهور المتأخرين ، والظاهر انه الأقرب ويشهد له قوله تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» (٢) فإنها ظاهرة في ان اجتناب الكبائر مكفر للصغائر. واما على مذهب من ذهب الى ان الذنوب كلها كبائر فلا معنى للآية إذ ليس هنا ذنب غير الكبائر.
وأجيب عن ذلك بان من عن له ذنبان أحدهما أكبر من الآخر ودعت نفسه
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٢٩.
(٢) سورة النساء الآية ٣٥.