ومثال الثاني : ما إذا علم بوجوبٍ مردّدٍ بين أن يكون متعلّقاً بإحدى الخصال الثلاث «العتق» أو «الإطعام» أو «الصيام» ، أو بالعتق خاصّة.
وفي هذه الحالات نلاحظ أنّ العنوان الذي يتعلّق به الوجوب مردّد بين عنوانين متباينين وإن كان بينهما من حيث الصدق الخارجيّ عموم وخصوص مطلق ، وحيث إنّ الوجوب يتعلّق بالعناوين صحّ أن يدّعى وجود علمٍ إجماليٍّ بوقوع أحد العنوانين المتباينين في عالم المفهوم متعلّقاً للوجوب ، ومجرّد أنّ أحدهما أوسع صدقاً من الآخر لا يوجب كونهما من الأقلّ والأكثر ما داما متباينين في عالم العناوين والمفاهيم الذي هو عالم عروض الوجوب وتعلّقه ، فالعلم الإجماليّ بالوجوب إذن موجود.
ولكنّ هذا العلم مع هذا غير منجّز للاحتياط ورعاية الوجوب التعيينيّ المحتمل ، بل يكفي المكلّف أن يأتي بالجامع ولو في ضمن غير ما يحتمل تعيّنه ؛ وذلك لاختلال الركن الثالث من أركان تنجيز العلم الإجماليّ المتقدّمة ، وهو : أن يكون كلّ من الطرفين مشمولاً في نفسه للبراءة بقطع النظر عن التعارض الحاصل بين الأصلين من ناحية العلم الإجمالي ، فإنَّ هذا الركن لا يصدق في المقام ؛ وذلك لأنّ وجوب الجامع الأوسع صدقاً ليس مجرىً للبراءة بقطع النظر عن التعارض بين الأصلين ؛ لأنّه : إن اريد بالبراءة عنه التوصّل إلى ترك الجامع رأساً فهذا توصّل بالأصل المذكور إلى المخالفة القطعيّة التي تتحقّق بترك الجامع رأساً ، فإذا كان أصل واحد يؤدّي إلى هذا المحذور تعذّر جريانه.
وإن اريد بالبراءة عنه التأمين من ناحية الوجوب التخييريّ فقط فهو لغو ؛ لأنّ المكلّف في حالة ترك الجامع رأساً يعلم أنّه غير مأمونٍ من أجل صدور المخالفة القطعيّة منه ، فأيّ أثرٍ لنفي استناد عدم الأمن إلى جهةٍ مخصوصة؟
وبهذا يتبرهن أنّ أصل البراءة عن وجوب الجامع لا يجري بقطع النظر عن التعارض ، وفي هذه الحالة تجري البراءة عن الوجوب التعيينيّ بلا معارض.