يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم ، وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاث مائة رجل بالنفقة السابغة [والكسوة الظاهرة](١) وكان يقتفي أخلاق المنصور ، ويعمل بها إلا في العطايا والجوائز. فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداء وسؤالا ، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاءه ، ولا يمنعه عطاء اليوم من عطاء غد. وكان يحب الفقه والفقهاء ، ويميل إلى العلماء. ويحب الشعر والشعراء ، ويعظم [في صدره](٢) الأدب والأدباء ، ويكره المراء في الدين والجدال ، ويقول : إنه لخليق ألا ينتج خيرا ، ويصغي إلى المديح ويحبه ، ويجزل عليه العطاء لا سيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد.
وكان نقش خاتم هارون بالحميرية ، وخاتم الخاصة : لا إله إلا الله.
قال أبو معاوية الضرير (٣) :
حدثت الرشيد هارون بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم أقتل». فبكى هارون حتى انتحب وقال له : يا أبا معاوية ، ترى لي أن أغزو؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، مكانك في الإسلام أكبر ، ومقامك أعظم ، ولكن ترسل الجيوش [١٤٣١٨].
قال أبو معاوية :
ما ذكرت النبي صلىاللهعليهوسلم بين يديه إلا قال : صلى الله على وسيدي ومولاي (٤).
وفي (٥) سنة ست وثمانين ومائة أقام الحج الرشيد هارون ، وجدد البيعة لابنيه (٦) محمد المخلوع ، وعبد الله المأمون ، وكتب بينهما شروطا ، وعلق الكتاب بالكعبة.
__________________
(١) زيادة عن تاريخ بغداد.
(٢) زيادة عن تاريخ بغداد.
(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٧ من طريق علي بن الحسين ـ صاحب العباسي أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال : سمعت علي بن عبد الله يقول : قال أبو معاوية الضرير ، وذكره. ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٣٤٢.
(٤) ليست اللفظة في تاريخ بغداد ولا في تاريخ الخلفاء.
(٥) رواه خليفة بن خياط في تاريخه ص ٤٥٧ ، وانظر البداية والنهاية ١٠ / ٢٠٢.
(٦) في مختصر ابن منظور : لابنه ، والمثبت عن تاريخ خليفة.