ما تنبت ، وأنهم يريدون لا تنبت شيئا ، فإنما ذلك لأن قليلا انتصب على الحال من أرض ، وإن كان نكرة ، وما مصدرية ، والتقدير : قليلا إنباتها ، أي لا تنبت شيئا ، وليست ما زائدة ، وقليلا نعت لمصدر محذوف ، تقدير الكلام : تنبت قليلا ، إذ كان التركيب المقدر هذا لما صح أن يراد بالقليل النفي المحض ، لأن قولك : تنبت قليلا ، لا يدل على نفي الإنبات رأسا ، وكذلك لو قلنا : ضربت ضربا قليلا ، لم يكن معناه ما ضربت أصلا.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ) : الضمير عائد على اليهود ، ونزلت فيهم حين كانت غطفان تقاتلهم وتهزمهم ، أو حين كانوا يلقون من العرب أذى كثيرا ، أو حين حاربهم الأوس والخزرج فغلبتهم. (كِتابٌ) : هو القرآن ، وإسناد المجيء إليه مجاز. (مِنْ عِنْدِ اللهِ) : في موضع الصفة ، ووصفه بمن عند الله جدير أن يقبل ، ويتبع ما فيه ، ويعمل بمضمونه ، إذ هو وارد من عند خالقهم وإلههم الذي هو ناظر في مصالحهم. (مُصَدِّقٌ) : صفة ثانية ، وقدّمت الأولى عليها ، لأن الوصف بكينونته من عند الله آكد ، ووصفه بالتصديق ناشىء عن كونه من عند الله. لا يقال : إنه يحتمل أن يكون (مِنْ عِنْدِ اللهِ) متعلقا بجاءهم ، فلا يكون صفة للفصل بين الصفة والموصوف بما هو معمول لغير أحدهما. وفي مصحف أبيّ مصدقا ، وبه قرأ ابن أبي عبلة ونصبه على الحال من كتاب ، وإن كان نكرة. وقد أجاز ذلك سيبويه بلا شرط ، فقد تخصصت بالصفة ، فقربت من المعرفة. (لِما مَعَهُمْ) : هو التوراة والإنجيل ، وتصديقه إما بكونهما من عند الله ، أو بما اشتملا عليه من ذكر بعث الرسول ونعته.
(وَكانُوا) : يجوز أن يكون معطوفا على جاءهم ، فيكون جواب لما مرتبا على المجيء والكون. ويحتمل أن يكون جملة حالية ، أي وقد كانوا ، فيكون الجواب مرتبا على المجيء بقيد في مفعوله ، وهم كونهم يستفتحون. وظاهر كلام الزمخشري أن قوله : وكانوا أليست معطوفة على الفعل بعد لما ، ولا حالا لأنه قدّر جواب لما محذوفا قبل تفسيره يستفتحون ، فدل على أن قوله : وكانوا ، جملة معطوفة على مجموع الجملة من قوله :ولما. (مِنْ قَبْلُ) : أي من قبل المجيء ، وبني لقطعه عن الإضافة إلى معرفة.
(يَسْتَفْتِحُونَ) : أي يستحكمون ، أو يستعلمون ، أو يستنصرون ، أقوال ثلاثة. يقولون ، إذا دهمهم العدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد نعته في التوراة. واختلفوا في جواب ولما الأولى ، فذهب الأخفش والزجاج إلى أنه محذوف لدلالة المعنى عليه ، واختاره الزمخشري وقدره نحو : كذبوا به واستهانوا بمجيئه ،