قال ابن عباس : ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء ، وأما الذوات فمتباينة. وقراءة الجمهور : وأتوا مبنيا للمفعول وحذف الفاعل للعلم به ، وهو الخدم والولدان. يبين ذلك قراءة هارون الأعور والعتكي. وأتوا به على الجمع ، وهو إضمار لدلالة المعنى عليه. ألا ترى إلى قوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) (١) إلى قوله تعالى : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) (٢)؟ فدل ذلك على أن الولدان هم الذين يأتون بالفاكهة ، والضمير في قوله تعالى : به ، عائد على الرزق ، أي : وأتوا بالرزق الذي هو من الثمار ، كما أن هذا إشارة إليه. قال الزمخشري : فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : وأتوا به؟ قلت : إلى المرزوق في الدنيا والآخرة ، لأن قوله : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين ، انتهى كلامه. أي لما كان التقدير هذا مثل الذي رزقناه كان قد انطوى على المرزوقين معا. ألا ترى أنك إذا قيل : زيد مثل حاتم ، كان منطويا على ذكر زيد وحاتم؟ وما ذكره الزمخشري غير ظاهر الآية ، لأن ظاهر الكلام يقتضي أن يكون الضمير عائدا على مرزوقهم في الآخرة فقط ، لأنه هو المحدث عنه والمشبه بالذي رزقوه من قبل ، مع أنه إذا فسرت القبلية بما في الجنة تعين أن لا يعود الضمير إلا إلى المرزوق في الجنة ، كأنه قال : وأتوا بالمرزوق في الجنة متشابها ، ولا سيما إذا أعربت الجملة حالا ، إذ يصير التقدير قالوا : هذا مثل الذي رزقنا من قبل. وقد أتوا به متشابها ، أي قالوا ذلك في هذه الحال ، وكان الحامل على القول المذكور كونه أتوا به متشابها. ومجيء الجملة المصدرة بماض حالا ومعها الواو على إضمار قد جائز في فصيح الكلام.
قال تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (٣) أي وقد كنتم الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ، أي وقد قعدوا. وقال الذي نجا منهما : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (٤) أي وقد ادّكر إلى غير ذلك مما خرج على أنه حال ، وكذلك أيضا لا يستقيم عوده إلى المرزوق في الدارين إذا كانت الجملة معطوفة على قوله تعالى : (قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) لأن الإتيان إذ ذاك يستحيل أن يكون ماضيا معنى لازما في حيز كلما ، والعامل فيها يتعين هنا أن يكون مستقبل المعنى ، وإن كان ماضي اللفظ لأنها لا تخلوا من معنى الشرط. ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة تضمنت الإخبار عن الإتيان بهذا الذي رزقوه متشابها. وقول
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ١٧ ـ ١٨.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٨.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ٤٥.