يبحث فيها في أصول الدين. والذي يظهر ترجيحه أن يكون : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) متعلقا بقوله : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ). فالذي نودوا لأجله هو الأمر بالعبادة ، فناسب أن يتعلق بها ذلك وأتى بالموصول وصلته على سبيل التوضيح أو المدح للذي تعلقت به العبادة ، فلم يجأ بالموصول ليحدث عنه بل جاء في ضمن المقصود بالعبادة. وأما صلته فلم يجأ بها لإسناد مقصود لذاته ، إنما جيء بها لتتميم ما قبلها. وإذا كان كذلك فكونها لم يجأ بها لإسناد يقتضي أن لا يهتم بها فيتعلق بها ترج أو غيره ، بخلاف قوله : اعبدوا ، فإنها الجملة المفتتح بها أولا والمطلوبة من المخاطبين. وإذا تعلق بقوله : اعبدوا ، كان ذلك موافقا ، إذ قوله : اعبدوا خطاب ، ولعلكم تتقون خطاب.
ولما اختار الزمخشري تعلقه بالخلق قال : فإن قلت كما خلق المخاطبين لعلهم يتقون ، فكذلك خلق الذين من قبلهم ، لذلك قصره عليهم دون من قبلهم ، قلت : لم يقصره عليهم ولكن غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادتهم جميعا ، انتهى كلامه. وقد تقدم ترجيح تعلقه بقوله : اعبدوا ، فيسقط هذا السؤال. وقال المهدوي : لعل متصلة باعبدوا لا بخلقكم ، لأن من درأه الله عزوجل لجهنم لم يخلقه ليتقي. والمعنى عند سيبويه : افعلوا ذلك على الرجاء والطمع أن تتقوا ، انتهى كلامه. ولما جعل الزمخشري لعلكم تتقون متعلقا بالخلق قال : فإن قلت : فهلا قيل : تعبدون لأجل اعبدوا أو اتقوا المكان تتقون ليتجاوب طرفا النظم؟ قلت : ليست التقوى غير العبادة حتى يؤدي ذلك إلى تنافر النظم ، وإنما التقوى قصارى أمر العابد ومنتهى جهده ، فإذا قال : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) للاستيلاء على أقصى غايات العبادة كان أبعث على العبادة وأشد إلزاما لها وأثبت لها في النفوس ، انتهى كلامه. وهو مبني على مذهبه في أن الخلق كان لأجل التقوى ، وقد تقدم ذلك. وأما قوله : ليتجاوب طرفا النظم فليس بشيء لأنه لا يمكن هنا تجاوب طرفي النظم لأنه يصير المعنى : اعبدوا ربكم لعلكم تتقون ، أو اتقوا ربكم لعلكم تتقون ، وهذا بعيد في المعنى ، إذ هو مثل : اضرب زيدا لعلك تضربه ، واقصد خالدا لعلك تقصده. ولا يخفى ما في هذا من غثاثة اللفظ وفساد المعنى ، والقرآن متنزه عن ذلك. والذي جاء به القرآن هو في غاية الفصاحة ، إذ المعنى أنهم أمروا بالعبادة على رجائهم عند حصولها حصول التقوى لهم ، لأن التقوى مصدر اتقى ، واتقى معناه اتخاذ الوقاية من عذاب الله ، وهذا مرجو حصوله عند حصول العبادة. فعلى هذا ، العبادة ليست نفس التقوى ، لأن الاتقاء هو الاحتزاز عن المضار ، والعبادة فعل المأمور به ، وفعل المأمور به ليس نفس